للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والقول الثاني: أن الإنبات ليس بلوغًا ولا من علامات البلوغ، وهذا قول أبي حنيفة، ورواية عن مالك، ورواية عن أحمد؛ لأنه نبات شعر، فأشبه نبات شعر سائر البدن، فلا ينبغي أن يكون دليلًا على البلوغ، أسوة بباقي الشعر في جسم الإنسان (١).

وأجاب الأولون بمنع هذا القياس، وذلك أن العادة جرت على أن نبات العانة يصاحب الاحتلام أو يقاربه، فيصح أن يكون علمًا على البلوغ.

والذي يظهر -والله أعلم- أن الحديث يدل صراحة على أن من أنبت من الكفار يقتل، ومن لم ينبت فلا يقتل، وأما دلالته على أن الإنبات دليل على البلوغ في حق المسلمين فليس بواضح، وإنما هو يدل على أن الإنبات من علامات البلوغ في حق الكفار؛ لأن الكفار لا يمكن الوقوف على احتلامهم؛ لأن أقوالهم غير مقبولة عندنا، لا سيما في الأمور التي يترتب عليها هلاكهم أو فرض الجزية عليهم، فيعدل إلى علامة لا يمكن إنكارها، وهي الإنبات، فأما في حق المسلمين فليس بدليل على البلوغ؛ لأن الله تعالى قال: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: ٥٩] وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم"، وفي رواية: "حتى يبلغ"، ولم يذكر الإنبات، فإثبات البلوغ والتكليف بغير الاحتلام مخالفة للخبر، والمسلمون يمكن الوقوف على مقادير أسنانهم لأنها محفوظة، وأوقات مواليدهم مؤرخة معلومة، ولا سيما في زماننا هذا، وأخبارهم في ذلك مقبولة (٢).

والذي أجمع عليه العلماء من علامات البلوغ هو الاحتلام، وهو إنزال المني يقظة أو منامًا، وهو علامة في حق الذكر والأنثى، وكذا الحيض في حق الأنثى، وما عداهما من العلامات، كالسن والإنبات وغيرهما، فهو موضع خلاف بين أهل العلم، والله أعلم.


(١) انظر: "الإفصاح" (١/ ٣٧٥)، "المغني" (٦/ ٥٩٧)، "تفسير القرطبي" (٥/ ٣٥ - ٣٦)، "الإنصاف" (٥/ ٣٢٠).
(٢) انظر: "التعريف بعلامات بلوغ التكليف" ص (٦٩)، "ضوابط البلوغ عند الفقهاء" ص (٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>