للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجوار، ومراعاة حق الجار، لئلا يحتاج إلى نفقات بناء جدار آخر يضع عليه خشبه، وهذا مقيد بما إذا لم يكن ضرر من وضع الخشب على الجدار، وكان في الجار حاجة إلى ذلك؛ لأن الضرر لا يزال بالضرر.

ويقاس على وضع الخشب غيره من الانتفاعات التي يستفيد منها الجيران عند الحاجة إليها وليس فيها مضرة.

* الوجه الرابع: أجمع العلماء على أنه إذا وجد ضرر من وضع الخشب أن الجار لا يُلزم بالموافقة على وضعها إلا إذا أذن، كما أنهم أجمعوا على أنه ليس للجار أن يغرز خشبة في جدار جاره إن كان به غُنية عن ذلك.

وإنما اختلفوا فيما إذا لم يكن هناك ضرر وكان بصاحب الخشب حاجة إلى وضعها بحيث لا يمكنه التسقيف إلا بالوضع على جدار جاره، على قولين:

فذهب الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة ومالك والشافعي في الجديد، إلى أنه لا يجوز وضع الخشب على حائط الجار إلا بإذنه، وإن لم يأذن فلا يجبر عليه، لكن يستحب له بذله، وخرَّجه أبو الخطاب وجهًا من الرواية الثانية عن الإِمام أحمد في المنع من وضع الخشب على جدار المسجد (١)، واستدلوا بأن الأصل المنع من حق الغير إلا برضاه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه" (٢)، وقوله: "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم .. " (٣)، وحملوا النهي في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - على التنزيه لا على التحريم، جمعًا بينه وبين هذه الأدلة، كما تقدم.

وذهب الإِمام أحمد والشافعي في القديم، وإسحاق، وجماعة من أهل الحديث وابن حزم إلى أنه يجب على الجار أن يبذل حائطه لجاره مع الحاجة


(١) "المهذب" (١/ ٣٣٥)، "شرح الزرقاني على الموطأ" (٤/ ٣٣)، "الهداية" (١/ ١٦١)، "المغني" (٧/ ٣٦).
(٢) سيأتي تخريجه قريبًا إن شاء الله.
(٣) أخرجه مسلم من حديث جابر - رضي الله عنه -. وسيأتي شرحه من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - في آخر باب "الغصب" إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>