للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقلة الضرر، وأنه يجبر على ذلك إذا امتنع (١)، وهذا مذهب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، كما سيأتي، واستدلوا بما يلي:

١ - أن حديث الباب ورد بصيغة النهي، والنهي يقتضي التحريم، فإذا كان الامتناع محرمًا دل على أن البذل واجب.

٢ - أن أبا هريرة - رضي الله عنه - الذي روى الحديث استنكر عدم الأخذ به، وتوعد على ذلك، وهذا يدل على أنه فهم وجوب البذل وتحريم الامتناع، ولولا أنه فَهِمَ ذلك ما كان ليوجب عليهم غير واجب، وراوي الحديث أعرف بمعناه.

٣ - ما ورد أن الضحاك بن خليفة مسألة محمَّد بن مسلمة أن يسوق خليجًا (٢) له فيجريه في أرض محمَّد بن مسلمة، فامتنع، فقال عمر - رضي الله عنه -: لم تمنع أخاك ما ينفعه؟ وهو لك نافع، تسقي به أولًا وآخرًا، وهو لا يضرك، فقال محمَّد: لا والله، فقال عمر: والله ليمرن به ولو على بطنك، فأمره عمر أن يجريه، ففعل الضحاك (٣).

والذي يظهر -والله أعلم -هو القول الأول، وهو أنه ينبغي للجار أن يبذل جداره لجاره، ولا يمتنع ما دام أن جاره يستفيد من شيء ليس فيه ضرر عليه، لكن ينبغي أن يضاف إليه قيد الاستئذان؛ لأن استئذان الجار قبل وضع الخشب على جداره مما يبعث روح المحبة والتعاون بين الجيران، وَيسْتَلُّ الأحقاد والضغائن؛ لأن حديث الباب دليل واضح على نهي الجار عن الامتناع، ثم إن هذا من حسن الجوار ومراعاة الحقوق، ومما يديم الألفة والمودة بين الجيران، بخلاف ما إذا امتنع فتنشأ الأحقاد والضغائن وتحصل القطيعة، وهذه أمور لا يرضاها الإِسلام.

أما استدلال أصحاب القول الثاني، فعنه جوابان:

الأول: أنها عمومات، والقاعدة تقديم الخاص على العام، يقول


(١) "المحلى" (٨/ ٢٤٢)، "تفسير القرطبي" (٥/ ١٨٧)، "روضة الطالبين" (٤/ ٢١٢).
(٢) الخليج: امتداد من الماء متوغل في اليابس ["المعجم الوسيط" ص (٢٤٨)].
(٣) أخرجه مالك (٢/ ٧٤٦)، وصححه الحافظ في "فتح الباري" (٥/ ١١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>