للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الدليل الثاني: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لهند بنت عتبة: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" (١) وسيأتي -إن شاء الله- في باب "النفقات". ووجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أجاز لهند الأخذ بغير إذن أبي سفيان، ولو كان الإذن شرطًا لبينه النبي - صلى الله عليه وسلم -.

والقول الثالث: التفصيل وهو أنه إن كان سبب الحق ظاهرًا لا يحتاج إلى بينة جاز الأخذ، وذلك مثل النفقة، فتأخذ المرأة من مال زوجها بلا علمه لأجل أن تنفق على نفسها وأولادها إذا امتنع عن النفقة أصلًا أو تكميلًا؛ لقصة هند، ومثل ذلك حق الضيف، وقد ورد في مسألة الضيافة، حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: إنا نمر بأقوام لا يُقْرُوْنَنَا، فهل نأخذ من أموالهم؟ قال: "إذا مررتم بأقوام لم يقروكم ما ينبغي للضيف، فخذوا منهم بقدر قِراكم" (٢)، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: "أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محرومًا، له أن يأخذ بقدر قراه ولا حرج عليه" (٣)، فيأخذ ما يكفيه من طعام من نزل عليه ولم يضيفه فهذا يجوز، لما تقدم؛ ولأن السبب إذا ظهر لم ينسب الآخذ إلى الخيانة، بل يحال آخذه إلى السبب الظاهر.

وأما إن كان السبب خفيًّا، كأن يكون له دين على آخر من قرض أو ثمن مبيع أو نحو ذلك من الحقوق التي تخفى، فهذا لا يجوز له الأخذ من ماله بغير إذنه، لحديث الباب، ولئلا يعرض نفسه للتهمة، ولأن في المنع سدًا للباب، لئلا ينفتح باب الشر ويدعي الآخذ أن له حقًّا وهو مبطل. وهذا هو ظاهر المذهب عند الحنابلة، كما قال ابن رجب (٤)، وهو اختيار ابن القيم، وابن سعدي (٥)، وهذا أرجح الأقوال، وبه تجتمع الأدلة، كما تقدم. والله تعالى أعلم.


(١) أخرجه البخاري (٥٣٦٤)، ومسلم (١٧١٤).
(٢) أخرجه البخاري (٢٣٦١)، ومسلم (١٧٢٧).
(٣) أخرجه أحمد (٢/ ٣٨٠) بسند صحيح.
(٤) "القواعد" (١/ ١٠١)، "الروض المربع بحاشية العنقري" (٣/ ٣٥٣).
(٥) "إعلام الموقعين" (٦/ ٤٨٠)، "القواعد" لابن سعدي ص (٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>