للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

* الوجه الخامس: الحديث دليل على تحريم الخيانة، وأن المؤمن الحق لا يقابل الخيانة بخيانة مثلها، فإذا خان صاحبُ الأمانة -مثلًا- مَنْ عنده الأمانة، فليس للمؤتمن أن يخون خيانة تغضب الله عليه ويلحقه عارها، بل ياع الخائن يبوء بإثمه، ويسلم هو من الإثم، وللمخون أن يطالب بحقه بالطرق الشرعية.

وقد عدَّ الإمام الذهبي وغيره الخيانة من كبائر الذنوب (١) مستدلًا بهذا الحديث، وحديث: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان" (٢)، والخيانة قبيحة في كل شيء، وبعضها شر من بعض، فقد تكون الخيانة في الأمانات والودائع والعين المستأجرة، وقد تكون في أهل الإنسان، وهي من علامات النفاق، ودليل على فساد الطوية، وإضمار الشر، فهي من أسوأ ما يبطن الإنسان، ومفاسدها عظيمة، ولذا نهى الله عنها فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: ٢٧].

* الوجه السادس: استدل العلماء بهذا الحديث على أن من له حق على إنسان وامتنع من أدائه فإنه ليس لصاحب الحق الأخذ من ماله بغير إذنه، ووجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الخيانة، وأخذ الإنسان قدر حقه من مال غيره بغير علمه خيانة فلا يجوز، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو قول للمالكية (٣).

والقول الثاني: أنه يجوز الأخذ من ماله بغير إذنه، وهذا قول الشافعية، وعليه الفتوى عند الحنفية، وهو المعتمد عند المالكية، ووجه مُخَرَّجٌ عند الحنابلة، واستدلوا بدليلين:

الأول: العمومات الدالة على جواز المعاملة بالمثل، كقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيكُمْ} [البقرة: ١٩٤]، وقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦]، وقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] وأيُّ سيئة أو اعتداء أعظم من أخذ أموال الناس ثم المماطلة في دفعها أو إنكارها.


(١) "الكبائر" ص (١٠٨)، "الزواجر" (٣٦٣).
(٢) أخرجه البخاري (٣٣)، ومسلم (١٠٧) (١٠٩).
(٣) "المغني" (١٤/ ٣٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>