للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

° الوجه الثاني: حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - دليل على جواز أخذ الأَجرة على الحجامة وأنه كسب مباح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى الحجام أجرته، ولو كان حرامًا لم يعطه، إذ لا يعطيه ما يحرم عليه، والقائل ذلك هو ابن عباس -رضي الله عنهما-، كأنه يريد الرد على من زعم أنه لا يحل إعطاء الحجام أجرته وأنه حرام.

هذا من جهة النص، وأما من جهة المعنى فلأن الناس في حاجة إليها، ولا يوجد من يتبرع بها، فجاز الاستئجار عليها كالرضاع.

° الوجه الثالث: الحديث دليل على جواز التداوي بالاحتجام، وقد ورد في "الصحيحين" عن حميد الطويل، عن أنس - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجمه أبو طيبة، فأمر له بصاعين من طعام، وكَلَّمَ مواليه، فخففوا عنه من ضريبته، وقال: "إن أفضل ما تداويتم به الحجامة والقُسط البحري … " الحديث (١).

ومن فوائد الحجامة: علاج أمراض الرأس والصداع، وتخفيف آلام الروماتزم، وأوجاع الصدر، وكل أثر في البدن سببه كثرة الدم أو فساده أو هما معًا.

° الوجه الرابع: دلَّ حديث أبي رافع - رضي الله عنه - على أن كسب الحجام من المكاسب الرديئة التي يكون تركها أولى؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصف كسب الحجام بأنه خبيث، والمراد بالخبيث هنا: الرديء؛ لأن الخبيث يطلق على الحرام؛ كمهر البغي وثمن الكلب، ويطلق على الشيء الرديء والكسب الدنيء كقوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: ٢٦٧] وقد ذكر المفسرون كابن كثير أن المراد بالخبيث في الآية: الرديء، كالحشف والشيص من التمر ونحو ذلك (٢).

وقد سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - الثوم والبصل خبيثين (٣) مع إباحتهما (٤). وعلى هذا فأجرة الحجام ليست حرامًا، وإنما هي من المكاسب الرديئة التي ينبغي التنزه


(١) أخرجه البخاري (٢١٠٢)، ومسلم (١٥٧٧).
(٢) "تفسير ابن كثير" (١/ ٤٧٣).
(٣) أخرجه مسلم (٥٦٥).
(٤) انظر: "المغني" (٨/ ١١٨، ١١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>