للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تقدم. وكقولهم: إنه منسوخ، وهذا مردود بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال (١).

والقول الثالث: أنَّه يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن عند الحاجة دون الغنى، وهذا وجه في مذهب الحنابلة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية (٢).

وهذا قول وجيه فيه جمع بين الأدلة، ويؤيده قوله تعالى في ولي اليتيم: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ٦]، (٣)، ولأن المحتاج يمكنه أن ينوي عمله لله، ويأخذ الأجرة ليستعين بها على العبادة وينفق على من يجب الإنفاق عليه، فيؤدي الواجب بهذه الأجرة، بخلاف الغني فإنه لا يحتاج إلى الكسب، فلا حاجة تدعوه إلى أن يأخذ أجرة.

وأما حديث عبادة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فهو حديث ضعيف؛ لأن في إسناده الأسود بن ثعلبة، وهو مجهول كما في "التقريب"، والمغيرة بن زياد الموصلي وثقه وكيع وابن معين والعجلي وغيرهم، وضعفه أحمد وأَبو زرعة، قال أحمد: مضطرب الحديث ومنكر الحديث، وقال في "التقريب": (صدوق له أوهام)، ومثل هذا الحديث لا يقاوم ما ورد من الأحاديث الصحيحة.

وعلى فرض صحته فهو محمول على أن عبادة بن الصامت - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كان متبرعًا بالتعليم ناويًا للاحتساب فيه، فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يضيع أجره ويبطل حسنته بما يأخذ من هدية (٤).

وهذا الخلاف إنما هو في حكم أخذ الأجرة إذا كانت باشتراط، أما إذا أُعطي بدون اشتراط فالظاهر من كلام أصحاب المذاهب الأربعة وابن حزم الاتفاق على الجواز؛ لأن من أجاز باشتراط -كما تقدم - أجاز هنا من باب أولى، ومن منع باشتراط وهم متقدمو الحنفية فقد أجازوا الأخذ


(١) "فتح الباري" (٤/ ٤٥٣).
(٢) "الفروع" (٤/ ٤٣٥)، و"الفتاوى" (٣٠/ ١٩٢، ١٩٣، ٢٠٥).
(٣) "الفتاوى" (٣٠/ ٢٠٥).
(٤) "شرح السنة" (٨/ ٢٦٨)، "شرح الطيبي" (٦/ ١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>