للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واستدلوا بحديث سعيد بن المسيب، عن أَبي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (حريم البئر البدي خمسة وعشرون ذراعًا، وحريم البئر العادية خمسون ذراعًا" (١).

وجعلت القديمة أكثر حرمًا؛ لأن ماءها يكون في الغالب أكثر، فحاجتها إلى الساحة أكثر.

والقول الثالث: أن ما ورد في الأحاديث ليس تحديدًا، وإنَّما حريم البئر ما يحتاج إليه في ترقية مائها منها، وهذا قول القاضي وأبي الخطاب (٢).

فإن كانت البئر يراد بها إحياء الأرض بالزراعة فأكثر العلماء على أن حريمها ستمائة ذراع، وقال الشيخ محمد بن إبراهيم: (له ما حواليه مقدار الزرع؛ لأنه جاء ليزرع، فما كان حواليه فلا يعترضه أحد) (٣).

وقد اختلف العلماء في التوفيق بين هذين الحديثين، فمن أهل العلم من قال بترجيح حديث أَبي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وتضعيف حديث ابن مغفل -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، وهذا رأي ابن قدامة (٤)، وتبعه ابن باز.

ومنهم من جمع بينهما، وهو حمل حديث ابن مغفل على أن المراد بالحريم ما يحتاج إليه صاحب البئر عند سقي إبله لاجتماعها على الماء، وحديث أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - على أن المراد ما يحتاج إليه البئر؛ لئلا تحصل المضرة عليها بقرب الإحياء منها، ولذلك اختلفت الحال في البئر الجديدة عن القديمة. وهذا رأي المغربي صاحب "البدر التمام" (٥)، وتبعه عليه الصنعاني في "السبل".

أما إن كانت البئر محاطة من جميع جوانبها بأملاك الغير فهذه ليس لها حريم ولا مرافق، وإنما كل واحد يُنْتَفَعُ بما جرت به العادة، والله تعالى أعلم.


(١) أخرجه الدَّارَقُطني (٤/ ٢٢٠) وقال: (الصحيح من الحديث أنَّه مرسل عن ابن المسيب، ومن أسنده فقد وهم)، وانظر: "العلل" (٩/ ١٦٣)، وقد رواه مرسلًا أَبو داود في "المراسيل" ص (٤٤٧)، ومراسيل سعيد جيدة عند أهل العلم.
(٢) "المغني" (٨/ ١٧٩).
(٣) "الفتاوى" (٨/ ٢٧٤).
(٤) (٨/ ١٨٠).
(٥) (٣/ ٣٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>