للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإنما أورد الحافظ لفظ أبي داود لأنه أوضح من لفظ مسلم، فإن فيه: (حتى تخفق رؤوسهم)، وهذا يبين نوع النوم الذي ورد في لفظ مسلم، وهو أنه نعاس وخَفْقٌ، وليس نوماً مستغرقاً ثقيلاً يزول معه الشعور بما قد يَخْرُجُ.

الوجه الثاني: في شرح ألفاظه:

قوله: (على عهده) أي: زمانه، فالحديث له حكم المرفوع، لاطلاعه صلّى الله عليه وسلّم على ذلك وتقريره له، وهذا موضع الحجة فيه.

قوله: (ينتظرون العشاء) هكذا في نسخ «البلوغ»، وعند أبي داود والدارقطني: (العشاء الآخرة)، وهي بكسر العين والمد، والعشاء: أول ظلام الليل، وهو من صلاة المغرب إلى العتمة، وعليه قول ابن فارس: (العشاءان: المغرب والعتمة) (١).

قوله: (حتى تخفق) بكسر الفاء، من باب ضرب، قال في «المصباح»: (خَفَقَ رأسه خفقة أو خفقتين: إذا أخذته سِنَةٌ من النعاس، فمال رأسه دون سائر جسده)، وقال في «القاموس»: (خفق فلان: حرك رأسه إذا نعس) (٢).

الوجه الثالث: الحديث دليل على أن النوم اليسير غير المستغرق لا ينقض الوضوء، وهو ما كان نعاساً يخفق معه الرأس، بخلاف النوم الثقيل المستغرق الذي يزول معه الشعور بما قد يخرج، فهذا ناقض للوضوء، وقد يكون الحديث دليلاً على كلتا المسألتين، وهما أن اليسير لا ينقض، والكثير ينقض؛ لأنه تقرر في نفس الصحابي الراوي أن النوم ناقض للوضوء، إلا هذا القدر اليسير الذي شاهده.

ولا فرق في ذلك - على الصحيح - بين أن يكون مضطجعاً أو قاعداً معتمداً أو غير معتمدٍ، وهذا هو الراجح في مسألة نقض الوضوء بالنوم، وهو أنه إن كان النائم يشعر بنفسه لو أحدث فإنه لا ينتقض وضوؤه، وهذا يكون في النوم اليسير، وأما إن كان الإنسان مستغرقاً بحيث لو أحدث لم يحس


(١) "مجمل اللغة" (٢/ ٦٦٩).
(٢) "المصباح المنير" (١٧٦)، "القاموس" (٢/ ٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>