للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بنفسه فهذا يجب عليه الوضوء، وذلك أن ذات النوم ليس بناقض، ولكنه مظنة الحدث، لكون النائم لا يشعر ولا يحس بنفسه لو خرج منه شيء.

والدليل على أن النوم ليس بناقض: أن يسيره - كما في حديث الباب - لا ينقض الوضوء، ولو كان ناقضاً لانتقض بهذا النوم الذي تخفق فيه رؤوسهم، وصار كغيره من البول والغائط ينقض يسيره وكثيره.

ووجه الترجيح ثلاثة أدلة:

١ - أن هذا القول تجتمع فيه الأدلة، فإنه تقدم في حديث صفوان بن عَسَّال: (لكن من غائط وبول ونوم) وهذا يفيد أنه ناقض، وفي حديث الباب (أنهم ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون)، فيحمل الأول على النوم المستغرق الذي لو أحدث معه لم يحسّ بنفسه، ويحمل الثاني على مبادئ النوم قبل الاستغراق بحيث لو أحدث لأحس بنفسه؛ لأن خفقان الرأس يكون في النوم القليل، ولو كان ناقضاً لما أقرهم الله على الصلاة في تلك الحالة، بل كان يُوْحَى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك كما كان يوحى إليه في سائر الأمور الدينية، والأصل جلالة قدر الصحابة رضي الله عنهم وأنهم لا يجهلون ما ينقض الوضوء، ولا سيما الذين كانوا منهم ينتظرون الصلاة مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، فإنهم أعيان الصحابة.

قال الخطابي: (وفي قوله: «كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم» دليل على أن ذلك أمر كان يتواتر منهم، وأنه قد كثر حتى صار كالعادة لهم، وأنه لم يكن نادراً في بعض الأحوال، وذلك يؤكد ما قلناه من أن عين النوم ليس بحدث) (١).

ولا يؤثر على ذلك ما ورد من حديث أنس رضي الله عنه قال: (لقد رأيت أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يُوْقَظُونَ للصلاة، حتى إني لأسمع لأحدهم غطيطاً، ثم يصلون، ولا يتوضؤون) (٢)، فإن الإيقاظ والغطيط قد يوجد ممن هو في مبادئ نومه، ولا يلزم من ذلك أن يكون مستغرقاً.


(١) "معالم السنن" (١/ ١٤٤).
(٢) أخرجه الدارقطني (١/ ١٣٠) وصححه.

<<  <  ج: ص:  >  >>