للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال أبو حنيفة وزفر بن الهذيل إن الوقف عقد جائز، فللواقف أن يتصرف فيه كما يشاء، وإذا تصرف اعتبر راجعًا عن الوقف (١)، واستُدل لذلك بحديث ابن عباس - رضي الله عنه -، قال: (لما نزلت سورة النساء وفرض فيها الفرائض، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا حَبْسَ عن فرائض الله -عَزَّ وجَل-" (٢) وأجابوا عن حديث الباب بما لا طائل تحته (٣).

والصواب القول الأول، وهو أن الوقف عقد لازم، لقوة دليله، ولأن لزوم الوقف فيه مصلحة للواقف بدوام نفعه واستمرار أثره، بخلاف الرجوع فلا مصلحة فيه، ولأن أوقاف الصحابة -رضي الله عنهم- اتصفت باللزوم، فإنه لم ينقل عن أحد منهم أنه رجع عن وقفه، كما تقدم أول الباب.

وأما دليل أبي حنيفة فهو ضعيف لا يجوز الاحتجاج ولا معارضة الأحاديث الصحيحة به، وعلى فرض صحته فإن معناه: لا يُحبس عن وارث شيءٌ جعله الله له (٤)، بخلاف ما كان عليه أهل الجاهلية. والوقف عقد لازم بصدوره من الواقف حال حياته وليس للوارث فيه شيء، ومما يدل على بطلانه أن وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - ووقف عمر كان بعد خيبر سنة سبع، وآية المواريث نزلت سنة ثلاث بعد أُحد.

• الوجه العشرون: الحديث دليل على أنه يجوز للواقف أن يشترط جزءًا من ريع وقفه وأن يستفيد منه؛ لأن عمر - رضي الله عنه - شرط لمن ولي وقفه أن يأكل منه بالمعروف ولم يستثن إن كان هو ناظر الوقف أو غيره، فدل على صحة الشرط.


(١) يكون الوقف لازمًا عند أبي حنيفة إذا دلَّ دليل خارجي على لزومه ككونه مسجدًا؛ لأنه حق خالص لله تعالى، أو حكم بلزومه حاكم، أو خرج مخرج الوصية بأن يجعله بعد موته. ["أحكام الوصايا والأوقاف" ص (٢٦٤)].
(٢) أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٤/ ٩٦)، والدارقطني (٤/ ٦٨)، والبيهقي (٦/ ١٦٢) من طريق عبد الله بن لهيعة، ثنا عيسى بن لهيعة، عن عكرمة، قال: سمعت ابن عباس … الحديث. وهذا سند ضعيف، قال الدارقطني عقبه: (لم يسنده غير ابن لهيعة عن أخيه، وهما ضعيفان) وحكم عليه ابن حزم في "المحلى" (١٠/ ١٧٨) بأنه حديث موضوع.
(٣) "شرح معاني الآثار" (٤/ ٩٥).
(٤) انظر: "النهاية" (١/ ٣٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>