للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا حجة فيه على منع التفضيل، حكاه ابن عبد البر عن مالك، وَرُدَّ هذا بأن طرق الحديث مصرحة بالبعضية، ومنها رواية مسلم، قال: "تصدق عليَّ أبي ببعض ماله".

ومنها: أن العطية المذكورة غير منجزة، وإنما جاء بشير يستشير النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأشار عليه بألا يفعل، فترك، حكاه الطبري، ورد هذا بأن قوله: "فارجعه" يشعر بالتنجيز (١).

والقول الأول أرجح، لقوة مأخذه، فإن الحديث نص واضح في التحريم، فإنه قال: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" والأمر يقتضي الوجوب، ولأن تفضيل بعضهم على بعض ذريعة واضحة إلى حصول القطيعة والعقوق من المفضَّل عليهم لأبيهم، كما أنه سبب لعداوتهم لإخوانهم المفضَّلين، وهذا مشاهد عيانًا، وقد روى ابن أبي شيبة، عن إبراهيم النخعي أنه قال: (كانوا يستحبون أن يعدل الرجل بين ولده حتى في القُبَلِ) (٢).

وأما استدلال أصحاب القول الثاني بقصة عائشة - رضي الله عنها - فلا يعارض فعل أبي بكر - رضي الله عنه - قول النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه فعل صحابي عارض نصًّا، فلا يقبل كما في الأصول، ثم إنه يتطرق إليه احتمالات عديدة يسقط معها الاستدلال به، ومنها: أنه خصها لحاجتها وعجزها مع اختصاصها بالفضل وكونها أم المؤمنين، أو نحلها ونحل غيرها، أو نحلها وهو يريد أن ينحل غيرها فأدركه الموت، ولا بد من حمله على أحد هذه الوجوه؛ لأن حمله على مثل محل النزاع منهي عنه، وأقل أحواله الكراهة، والظاهر من حال أبي بكر - رضي الله عنه - اجتناب المكروهات (٣).

وأما الاستدلال برواية: "فأشهد على هذا غيري" فليس بقوي؛ لأن هذه الصيغة وإن كان ظاهرها الإذن، إلا أنها مشعرة بالتوبيخ والتنفير الشديد عن


(١) "المحلى" (٩/ ١٤٥)، "فتح الباري" (٥/ ٢١٤).
(٢) "المصنَّف" (١١/ ٢٢١).
(٣) "الشرح الكبير" (١٧/ ٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>