للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والصواب القول الأول، فإن الرجوع مع كونه مصادمًا للسنة فهو فاسد؛ لأن الموهوب له حين قبض العين الموهوبة دخلت في ملكه وجاز له التصرف فيها، فرجوع الواهب فيها انتزاع لملكه منه بغير رضاه، وهذا باطل عقلًا وشرعًا (١).

وأما حمل أصحاب القول الثاني حديث الباب على الكراهة، فهو مردود من وجهين:

الأول: أنه تأويل مستبعد يرده سياق الحديث.

الثاني: أن عُرْفَ الشرع في مثل هذا الأسلوب يراد به المبالغة في الزجر الشديد، كما ورد النهي في الصلاة عن إقعاء الكلب، ونقر الغراب، والتفات الثعلب ونحو ذلك، ويؤيد التحريم حديث ابن عباس وابن عمر -رضي الله عنهم- الآتي.

وأما حديثهم فهو ضعيف، وسيأتي الكلام عليه -إن شاء الله تعالى- ولو ثبت لكان محمولًا على من وهب ليتعوض من هبته ويثاب عليها فلم يفعل المتهب، فللواهب الرجوع، كما سيأتي (٢).

• الوجه الخامس: تحريم الرجوع في الهبة محمول عند الجمهور على الهبة التي تم قبضها من المتهب، كما قال النووي وغيره (٣)، قالوا: فالقيء في الحديث بمنزلة إقباض الهبة؛ لأن القيء يخرجه من بطنه، والهبة يخرجها الواهب من يد المتهب، فإذا عاد الواهب بعد الإقباض صار بمنزلة الكلب يعود في قيئه.

أما إذا كانت الهبة لم تقبض فإنها غير لازمة -على القول الراجح في أن الهبة لا تلزم إلا بالقبض- فيجوز الرجوع فيها (٤).


(١) "إعلام الموقعين" (٢/ ٣١٥).
(٢) المصدر السابق.
(٣) "شرح صحيح مسلم" (١١/ ٧١)، "فتح الباري" (٥/ ٢٣٥).
(٤) انظر: "الإنصاف" (٧/ ١٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>