للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال البخاري: (بابٌ لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته)، قال الحافظ: (هكذا بتَّ في الحكم في هذه المسألة، لقوة الدليل عنده فيها) (١)، وقال: (لا فرق في الحكم بين الهدية والهبة، وأما الصدقة فاتفقوا على أنه لا يجوز الرجوع فيها بعد القبض).

كما استدلوا بحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - مرفوعًا: "لا يحل لرجل مسلم أن يعطي العطية ثم يرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده"، وسيأتي تخريجه والكلام عليه بعد هذا الحديث.

والقول الثاني: جواز الرجوع في الهبة إذا كانت لأجنبي، ولا يجوز إذا كانت لذي رحم، أو اقترن بها ما يمنع الرجوع كأن يعوضه عنها، أو تزيد زيادة متصلة كالسِّمَنِ، أو يموت أحد المتعاقدين ونحو ذلك، وهذا مذهب أبي حنيفة (٢).

واستدلوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الواهب أحق بهبته ما لم يُثَبْ منها"، ومعنى (ما لم يثب): ما لم يعوض، قالوا: فأثبت للواهب الأحقية، ومعناها الرجوع.

وأما ذو الرحم فلا يجوز الرجوع في هبته؛ لأن هذا من صلته، ففرقوا بين الأجنبي والرحم، بأن هبة القريب صلة، والصلة لا يجوز قطعها، وهبة الأجنبي تبرع، له أن يمضيه أو لا يمضيه.

وأجابوا عن حديث الباب بأن المراد به التغليظ في الكراهة وليس التحريم؛ لأن الكلب غير متعبد، فالأكل من قيئه ليس حرامًا عليه، فيكون التشبيه وقع في أمر مكروه في الطبيعة لتئبت به الكراهة في الشريعة (٣).

وكذا أجابوا عن حديث: "لا يحل لرجل مسلم أن يعطي العطية … " بأن المراد به التغليظ في الكراهية؛ كقوله: "لا تحل الصدقة لغني" فإنه لا يستلزم التحريم، وإنما معناه: لا تحل له من حيث تحل لغيره من دون الحاجة.


(١) "فتح الباري" (٥/ ٢٣٥).
(٢) "تكملة فتح القدير" (٩/ ٣٩).
(٣) "شرح معاني الآثار" (٤/ ٧٧ - ٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>