للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقولنا: (بقصد الإكرام) فيه بيان الحامل على الهدية، وهذا يخرج الرشوة، فإنه لا يقصد بها شيء من ذلك، وإنما يراد بها الإعانة على أمر لا يحل.

وقد جرت عادة الفقهاء بذكر مباحث الهدية في باب "الهبة"؛ لأن الهدية نوع من الهبة، كما تقدم أول الباب.

قوله: (ويثيب عليها) أي: يعطي المهدي بدلها، والمراد بالثواب المجازاة والمكافأة، وأقله ما يساوي قيمة الهدية.

قوله: (لقد هممت ألا أتَّهب … ) بتشديد التاء افتعال من الهبة؛ أي: ألا أقبل الهبة إلا من هؤلاء لقلة طمعهم. قال ابن الأثير: (لأنهم أصحاب مدن وقرى، وهم أعرف بمكارم الأخلاق، ولأن في أخلاق البادية جفاءً، وذهابًا عن المروءة، وطلبًا للزيادة) (١).

• الوجه الثالث: الحديث دليل على مشروعية قبول الهدية وعدم ردها إلا لعذر شرعي؛ لأن هذا هو هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولأن في قبول الهدية فوائد كثيرة، من امتثال السنة، وإرضاء المهدي، والنظر إلى هديته بعين الإكبار والتقدير، وفي رد الهدية مخالفة السنة، وكسر قلب المهدي، وإساءة إليه، والله تعالى يقول: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إلا الْإِحْسَانُ (٦٠)} [الرحمن: ٦٠]. وقد ورد عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو دُعيت إلى ذراع أو كُراع لأجبت، ولو أُهدي إليَّ ذراع أو كراع لقبلت" (٢). وعنه -أيضًا - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أُتي بطعام سأل عنه: أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة، قال لأصحابه: كلوا، ولم يأكل، وإن قيل: هدية، ضرب بيده - صلى الله عليه وسلم - فأكل معهم) (٣).

• الوجه الرابع: لا خلاف بين أهل العلم في مشروعية قبول الهدية، وإنما الخلاف في وجوب قبولها، على قولين:


(١) "النهاية" (٥/ ٢٣١).
(٢) أخرجه البخاري (٢٥٦٨).
(٣) أخرجه البخاري (٢٥٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>