بدون عذر إساءة إلى المهدي من كسر قلبه واحتقار هديته، وكونه تذهب به الظنون في سبب ردها، ولو قيل: بأن قبول الهدية مستحب استحبابًا مؤكدًا جمعًا بين الأدلة لما كان ذلك بعيدًا.
• الوجه الخامس: ظاهر حديث الباب استحباب الإثابة على الهدية، وذهب بعض المالكية إلى وجوب المكافأة على الهدية إذا أطلق المهدي، وكان مثله ممن يطلب الثواب كالفقير للغني والمأمور للأمير، بخلاف ما يهبه الأعلى للأدنى، ووجه الاستدلال من الحديث:
١ - مواظبة النبي - صلى الله عليه وسلم - على إثابته للمهدي.
٢ - أن الذي أهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - قصد أن يُعطى أكثر مما أهدى، فلا أقل أن يعوض بنظير هديته، وهذا يفيد الوجوب.
والأول أظهر، فإن الفعل المجرد لا يدل على الوجوب، ولو وقعت المواظبة؛ لأنه قد يقال: إنما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جبل عليه من مكارم الأخلاق، لا لوجوبه.
ومن الفقهاء من جعل الناس في الهدايا على ثلاث طبقات:
١ - هدية الرجل إلى من هو دونه؛ كهدية المعلم لتلميذه، أو هدية الكبير للصغير، أو هدية الشيخ للطالب، فهذا إكرام وتحبب وصلة، ولا تقتضي الثواب والمكافأة بالمثل.
٢ - هدية النظير لنظيره؛ كهدية الطالب لزميله والصديق لصديقه، وهذه لا تقتضي الثواب -أيضًا-؛ لأن الغالب فيها معنى التودد والتقرب.
٣ - هدية الأدنى إلى الأعلى؛ كهدية الفقير للغني، وهذه تقتضي الثواب والمكافأة عليها بالمثل؛ لأن المعطي يقصد بهديته الرِّفْدَ والثواب (١).
فإن لم يستطع المهدي إليه أن يكافئ على الهدية فَلْيَدْعُ له بما يناسب المقام؛ لأن الدعاء نوع من المكافأة، وقد ورد عن ابن عمر - رضي الله عنه -، قال: