للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (فظننت أنه بائعه برُخص) بضم الراء وتسكين الخاء المعجمة؛ أي: بثمن قليل زهيد دون قيمته، وإنما ظن عمر - رضي الله عنه - ذلك؛ لأنه هو الذي كان أعطاه إياه، فظن أنه سيسامحه في بعض الثمن، وحينئذ يكون ذلك رجوعًا في عين ما تصدق به في سبيل الله، ولهذا نهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شرائه، وسماه عَوْدًا في الصدقة.

قوله: (لا تبتعه) أي: لا تشتره، ولفظ الشراء هو لفظ البخاري.

• الوجه الثالث: الحديث دليل على منع المتصدق من شراء صدقته، ووجه المنع أمران:

الأول: أن الصدقة قد خرجت من المال لله تعالى، فلا ينبغي أن تتبعها نفس المتصدق ولا أن تتعلق بها.

الثاني: أن المُتَصَدَّقَ عليه قد يحابيه ويسامحه في بعض الثمن، فيكون راجعًا ببعض صدقته.

ويلحق بالصدقة الكفارة والنذر وغيرهما من القربات، وهذا الحديث محمول على صدقة التطوع، بخلاف الزكاة المفروضة، فإنه لا يتصور الرجوع فيها حتى يكون الشراء مشبهًا للرجوع في الهبة، بخلاف صدقة التطوع فإنه يتصور الرجوع فيها، فكره ما يشبه الرجوع، وهو الشراء (١).

• الوجه الرابع: ذهب الجمهور من أهل العلم إلى أن النهي عن شراء الصدقة محمول على كراهة التنزيه، قالوا: لأنه إذا اشتراها فقد ملكها ملكًا جديدًا بطريق آخر، إلا أنه لا يليق به أن يرجع في شيء أخرجه لله تعالى، فكان مكروهًا من هذا الوجه.

وقال القرطبي وأهل الظاهر وجماعة: إن النهي للتحريم؛ لأنه ظاهر الحديث، ولأن هذا هو مقتضى التشبيه بالكلب، كما تقدم في الرجوع في الهبة (٢).


(١) "الإعلام، لابن الملقن (٧/ ٤٤٨)، "نيل الأوطار" (٤/ ١٩٧).
(٢) "الاستذكار" (٩/ ٣٢٨)، "المفهم" (٤/ ٥٧٩ - ٥٨٠)، "فتح الباري" (٥/ ٢٣٦ - ٢٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>