للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأيدوا قولهم بنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن لقطة الحاج، قالوا: فلقطة الحاج لا تلتقط للتملك بل للتعريف خاصة، وذلك لإمكان إيصالها إلى أربابها؛ لأنه إن كان من أهل مكة فظاهر، وإن كان غريبًا لا يقيم بها فإنه لا يخلو أفق غالبًا من وارد إليها، ولا سيما في زماننا هذا مع تيسر سبل النقل، فقد يأتي صاحبها وقد يوصي غيره من أهل بلده، فإذا عَرَّفَها واجدها في كل عام سهل التوصل إلى معرفة صاحبها (١).

القول الثاني: أن لقطة مكة كغيرها في التعريف والتملك، فإذا عرفها سنة تملكها، وهذا مروي عن ابن عمر وابن عباس وعائشة -رضي الله عنهم-، وهو قول المالكية في المشهور، والحنابلة في المعتمد من المذهب، والشافعية في وجه، والحنفية، واستدلوا بحديث زيد بن خالد المتقدم، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين حكم اللقطة، ولم يفرق بين لقطة الحرم وغيرها.

وأجابوا عن حديث ابن عباس "لا تحل ساقطتها إلا لمنشد" بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نصَّ على التعريف؛ لئلا يتوهم أن تعريفها مختص بأيام المواسم، وإنما هو حول كامل، أو لئلا يتوهم أنها لا تحتاج إلى تعريف، بسبب أن ما وجد فيها فالغالب أنه للغرباء، وقد تفرقوا، فلا فائدة في التعريف، فيسقط كما سقط فيما يباح التقاطه بلا تعريف، فبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنها كغيرها من البلاد في وجوب التعريف، أو أن المراد المبالغة في التعريف؛ لأن الحاج يرجع إلى بلده، وقد لا يعود إلا بعد أعوام، أو لا يعود أبدًا، فاحتاج الملتقط إلى المبالغة في التعريف (٢).

والقول الأول هو الراجح؛ لقوة أدلته وسلامتها من الإعتراض، وأما القول الثاني فهو ضعيف، فإن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد" نص صريح في ضمن خصائص مكة ومزاياها على سائر البلاد، ومن ذلك حرمة تملك لقطتها.


(١) انظر: "شرح ابن بطال" (٦/ ٥٥٨).
(٢) "المعلم بفوائد مسلم" (٢/ ٧٦)، "شرح فتح القدير" (٥/ ٣٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>