الأول: لقوة أدلته، فإن منها ما هو عام يحتج بعمومه كالآية الكريمة، ومنها ما هو خاص وظاهر في محل النزاع كأحاديث الباب.
الثاني: أنه إذا بقي الأمر دائرًا بين أن يكون المال الذي خلفه الميت لبيت المال لمنافع البعيدين عن ذلك الميت، وبين كونه يرجع إلى أقاربه المدلين إلى الميت بالورثة المجمع عليهم تعين الثاني؛ لأن صرفه لغيرهم ترك لمن هو أولى من غيره؛ لأن ذوي الأرحام شاركوا عموم المسلمين في الإسلام، وزادوا عليهم بالقرابة، فيكونون أحق بمال قريبهم (١).
وأما استدلال أصحاب القول الثاني بحديث:"إن الله أعطى كل ذي حق حقه" فليس بصحيح؛ لأن الحديث سيق في إبطال الوصية للوارث؛ لأنه قد أُعطي حقه من الميراث، وهذا لا ينافي توريث ذوي الأرحام الذين ثبت إرثهم بأدلة أخرى، فهم داخلون فيمن أعطاه الله حقه.
* الوجه الخامس: شرط إرث ذوي الأرحام ألا يوجد وارث يقدم عليهم، وهو صاحب الفرض أو التعصيب، فإن وجد لم يرث ذوو الأرحام؛ لأن أصحاب الفروض منصوص على فروضهم، والعاصب يستحق ما فضل عن الفرض، ولأن صاحب الفرض والعاصب أقرب إلى الميت من ذوي الأرحام فكان أولى بميراثه.
فإذا خلف الميت عصبة أو ذا فرض من أقاربه يُرَدُّ عليه، أخذ المال كله، ولا شيء لذوي الأرحام؛ كهالك عن أخيه لأمه وعمته، فالمال للأخ لأم فرضًا وردًا، ولا شيء للعمة.
وإن كان صاحب الفرض لا يرد عليه وهو الزوج والزوجة لم يمنع ذلك ميراث ذوي الأرحام، فيعطى الزوج أو الزوجة نصيبه، والباقي لذي الرحم؛ كهالك عن زوج وبنت بنت، فللزوج النصف، وبنت البنت النصف.
(١) "تفسير ابن سعدي" ص (١٧٠)، "التحقيقات المرضية" ص (٢٦٤).