للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بمن ظهر منها الزنا، ويحرم على المرأة أن تُزوج بمن ظهر منه الزنا.

وهذا - والله أعلم - لأن الزانية تضر زوجها وتنغص عليه حياته، ويكون في غمٍّ وهمٍّ، وقد تلحق به ولدًا من غيره، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (ومن تزوج غير تائبة فقد رضي أن تزني، إذ لا يمكنه منعها من ذلك، فإن كيد النساء عظيم) (١).

والقول بتحريم نكاح الزانية ونكاح الزاني هو قول قَتَادة، والإمام أحمد، وإسحاق، وأبي عبيد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، والصنعاني (٢)، والشيخ عبد العزيز بن باز. يقول ابن تيمية: (فأما نكاح الزانية فقد تكلم فيه الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم، وفيه آثار عن السلف، وإن كان الفقهاء قد تنازعوا فيه، وليس مع من أباحه ما يعتمد عليه) (٣).

واستدلوا -أيضًا- بقوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: ٣]، والنفي فيها محمول على النهي، وهي في عقد النكاح، كما هو قول جمهور المفسرين؛ بناءً على أسباب النزول، ويؤيد ذلك قوله تعالى: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٣].

وذهب الجمهور من أهل العلم، ومنهم أَبو حنيفة، والشَّافعي إلى جواز نكاح الزاني والزانية، وأجازه مالك مع الكراهة (٤). واستدلوا بعموم قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤]، وأجابوا عن قوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً} بأن المراد بالآية الوطء، وليس العقد، والحامل لهم على ذلك أن الله تعالى ذكر المشرك والمشركة، والمشرك لا يجوز له أن يتزوج المؤمنة ولو كانت زانية، وكذلك المشركة.

قالوا: والآية على ظاهرها، فهي إخبار أريد به تقبيح حال الزاني والزانية، والتصريح بخبث الزناة والزواني، وأن الزاني لا يليق به أن ينكح


(١) "تفسير سورة النور" ص (٣٧).
(٢) "سبل السلام" (٦/ ٦٨).
(٣) "تفسير سورة النور" ص (٤٨).
(٤) "بداية المجتهد" (٣/ ٧٣)، "المغني" (٩/ ٥٦٢)، "أضواء البيان" (٦/ ٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>