للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

العفيفة، وإنَّما زانية مثله أو مشركة، وكذلك الزانية، والآية لم تتعرض للعقد، وعلى هذا يجوز عقد العفيف على الزانية، والعقد بالعفيفة على الزاني، والإشارة في قوله تعالى: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ} إلى الزنا.

والقول بالتحريم قوي، فإن دلالة الآية واضحة، ولا سيما آخرها {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} فإن الراجح في مرجع اسم الإشارة أنَّه يعود على النكاح المذكور؛ أي: إن نكاح الزواني حرم على المؤمنين، وحمله على العقد تؤيده أسباب النزول، وهذه الآية مما أشكل على المفسرين؛ لأن حمل النكاح فيها على التزويج لا يلائم ذكر المشرك والمشركة، وحمل النكاح على الوطء لا يلائم أسباب النزول الدالة على أن المراد العقد، ولذا حصل الخلاف في معناها، والظاهر إن شاء الله أنَّه لا إشكال؛ لأن سبب النزول يحدد المراد، ويعين على فهم الآية، كما يقول ابن تيمية، ويكون المراد بها العقد، كما هو قول جمهور المفسرين، وليس المقصود من الآية بيان من يجوز أن ينكحه الزاني ومن لا يجوز، حتَّى يقال: يلزم عليه جواز نكاح المسلم للمشركة والعكس، وإنما المقصود التنفير من الزنا وأهله، وأن المؤمن لا يجوز له أن يقترن بالزانية، كما تدل عليه أسباب النزول، وكذا العكس (١).

وأما آية: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} فهي عامة دخلها التخصيص، وقد تقدم لنا أنَّها مخصصة بحديث "لا تنكح المرأة على عمتها" فكذا في هذه الصورة، فإن تابت الزانية أو تاب الزاني جاز نكاحهما بإجماع أهل العلم، والتوبة تحصل بالاستغفار والندم والإقلاع عن الذنب؛ كالتوبة من سائر الذنوب، هذا هو الصواب في ذلك، أما القول بأن توبتها أن تُراود على نفسها فإن أبت فقد تابت، وإن طاوعته فهي لم تتب، فهو قول ضعيف لا يُعَوَّلُ عليه، لظهور فساده (٢). والله تعالى أعلم.


(١) "تفسير سورة النور" للدكتور: ناصر الحميد ص (١٠٢).
(٢) "المغني" (٩/ ٥٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>