للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والصواب في هذه المسألة ما قاله الإِمام مالك، وهو رواية عن الإِمام أحمد، واختار ذلك ابن عبد البر، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم (١) والشوكاني، والشيخ عبد العزيز بن باز، وهو أن المعتبر في الكفاءة هو الدين، بمعنى الصلاح والتقى، وليس النسب، وكل مسلم يعتبر كفؤًا للمسلمة إلَّا إذا كان فاسقًا؛ لأن الفاسق لا يؤمن أن يحمله فسقه على أن يجني على المرأة، فلا يكون كفؤًا للعفيفة، ولكن لمن كان مثله.

أما ما عدا ذلك فليس عندنا من الأدلة ما يدل على اعتباره، والدليل علي ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣)} [الحجرات: ١٣]، فدلت الآية على أن البشر في ميزان الإسلام وحكمه جنس واحد، لا يفضل بعضهم بعضًا إلَّا بالتقوى، وأن المسلمين في حكم الله تعالى وشرعه إخوة، وأن الأنساب والأحساب والألوان لا تجعل لأحد فضلًا على غيره، وقد أشار البخاري إلى نصرة هذا القول، حيث قال: (باب الأكفاء في الدين) ثم ساق الأدلة على ذلك.

ولما ساق ابن عبد البر جملة من الآثار الدالة على الحرص على الزواج بالمرأة الصالحة، قال: (هذه الآثار تدل على أن الكفاءة في الدين أولى ما اعتبر واعتمد عليه، وبالله التوفيق) (٢).

ومما له صلة بموضوع الكفاءة، ما يتعلق بمسألة القبيلي والخضيري في بعض الجهات، ويراد بالقبيلي: من له أصل، وهو من ينتسب إلى قبيلة معينة، والخضيري: من ليس كذلك، فيمنعون زواج أحدهما بالآخر، مع أن الأصل فيها الجواز، لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} لكن لو أدى ذلك إلى حصول مشاكل ونزاع، فينبغي تجنب ذلك إخمادًا لنار الفتنة، ودرءًا للشر، وقطعًا لدابر الفوضى، وحماية للأعراض والأبدان (٣). والله تعالى أعلم.


(١) "بداية المجتهد) (٣/ ٣١)، "الإنصاف" (٨/ ١٠٨)، "التمهيد" (١٩/ ١٦٨)، "زاد المعاد" (٥/ ١٥٩).
(٢) "التمهيد" (١٩/ ١٦٨).
(٣) انظر: "الزواج في الشريعة الإسلامية" ص (٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>