للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فهذا دليل صريح في نفي ما نسب إلى ابن عمر -رضي الله عنهما-، وهذا هو اللائق بمقامه - رضي الله عنه - والموافق لقول الصحابة - رضي الله عنهم -.

وكذا ما نسب للإمام مالك، فقد قال رَحِمَهُ اللهُ لابن هبيرة وعلي بن زيد لما أخبراه أن أناسًا بمصر يتحدثون عنه أنه يجيز ذلك فنفر من ذلك وبادر إلى تكذيب الناقل، فقال: كذبوا عليَّ، كذبوا علي، كذبوا علي، ثم قال: ألستم قومًا عربًا؟! ألم يقل الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} وهل يكون الحرث إلا في موضع المنبت؟ قال ابن القيم: (وأما الدبر فلم يبح قط على لسان نبي من الأنبياء، ومن نسب إلى بعض السلف إباحة وطء الزوجة في دبرها فقد غلط عليه … وقال: ومن هنا نشأ الغلط على من نُقل عنه الإباحة من السلف والأئمة، فإنهم أباحوا أن يكون الدبر طريقًا إلى الوطء في الفرج، فيطأ من الدبر لا في الدبر، فاشتبه على السامع (من) بـ (في) ولم يظن بينهما فرقًا، فهذا الذي أباحه السلف والأئمة، فغلط عليهم الغالط أقبح الغلط وأفحشه) (١).

قال القرطبي: (إن هذه الآية: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} لا حجة فيها على المدعَى؛ إذ هي مخصصة بما ذكرناه، وبأحاديث صحيحة شهيرة رواها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثنا عشر صحابيًّا، بمتون مختلفة، كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الأدبار … ثم قال: ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه، وقد حُذرنا من زلة العالم) (٢).

* الوجه السادس: تحريم إتيان الرجل، وأن ذلك من كبائر الذنوب، وهي معصية قوم لوط، وهي معصية شنيعة لم يسبقهم إليها أحد، ولهذا صارت عقوبة فاعلها القتل مطلقًا، سواء أكان بكرًا أم ثيبًا على رأي أكثر أهل العلم، بل نقل فيه الإجماع، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- بيان ذلك في كتاب "الحدود". والله تعالى أعلم.


(١) "زاد المعاد" (٤/ ٢٥٧، ٢٦١).
(٢) "تفسير القرطبي" (٤/ ٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>