للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة لكنها جاءت موافقة للأصول، وما وافق الأصول صح أن يستشهد به وإن كان ضعيفًا، مع أنه يؤيد ذلك حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في قصة ثابت بن قيس مع امرأته لما خالعها، وفيه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتردين عليه حديقته؟ "، فهذا يدل على أن الصداق حديقة وليس نقدًا، وسيأتي -إن شاء الله- هذا الحديث في باب (الخلع).

° الوجه الخامس: لا خلاف بين أهل العلم في أنه لا حدَّ لأكثر الصداق، نقل ذلك ابن عبد البر (١)، وابن رشد (٢)؛ لأنه لم يرد في الشرع ما يدل على تحديده بِحَدٍّ أعلى، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَال زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النساء: ٢٠] إذ ليس المقصود من إيتاء القنطار بيان الحد الأعلى للصداق، وإنما هو كناية عن الكثرة، ولو كان ذلك مسوقًا لبيان الحد الأعلى لنهى عن الزيادة عليه، وعلى هذا فليس في الآية دليل على جواز المغالاة في الصداق؛ لأنه تمثيل على جهة المبالغة في الكثرة، كأنه قال: وآتيتم هذا القدر العظيم الذي لا يؤتيه أحد، ولو فرضت دلالتها لكان غاية ما تدل عليه جواز دفع القادر الصداق الكثير المنوه عنه بالآية بالقنطار، لا تكليف العاجز ما لا يقدر عليه (٣).

وأما أقل الصداق فقد اختلف فيه العلماء على قولين:

الأول: أن أقل الصداق غير مقدر بمقدار معلوم، بل يصح الصداق بكل ما يسمى مالًا أو ما يقوَّم بمال، فإن عُقد بما لا يتمول ولا يقابل بما يتمول كالنواة والحصاة، فسدت التسمية ووجب مهر المثل، وهذا قول الشافعية والحنابلة، واستدلوا بالكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: ٢٤] ووجه الاستدلال: أن لفظ الأموال مطلق، فيتناول القليل والكثير.

وأما السنة فأحاديث الباب، وما جاء في معناها؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "التمس


(١) "الاستذكار" (١٦/ ٦٥).
(٢) "بداية المجتهد" (٣/ ٣٨).
(٣) "تفسير القرطبي" (٥/ ١٠٠)، "الفتاوى" (٣٢/ ١٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>