والذي يظهر -والله أعلم- أن المتعة واجبة في حق من طلقت قبل الدخول وقبل فرض الصداق، لقوة الأدلة على ذلك، ولأن في المتعة تعويضًا لها عما فاتها من المهر، وجبرًا لمصيبتها، وإحسانًا إليها، فلا يجمع عليها بين فوات المال وفوات النكاح.
أما من طلقت قبل الدخول، وبعد فرض الصداق، فمتعتها مستحبة؛ لأنه لما امتنع الوجوب لقوله تعالى:{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}، تعين حمل الأدلة الدالة على عموم المتعة على الندب جمعًا بين دلالة الآيات، وكذا من طلقت بعد الدخول تستحب متعتها؛ لأنه ثبت المهر بالدخول، واستحبت المتعة بالطلاق، وقد تقدم أن شيخ الإسلام ابن تيمية يرى الوجوب مطلقًا، وقيد ذلك الشيخ محمد بن عثيمين بطول المدة كأن يكون طلقها قبل سنة أو قريبًا من ذلك، أما إذا طلقها في الحال، والمهر لم يفارق يدها، فلا معنى للمتعة (١).
° الوجه الخامس: في الحديث دلالة بينة على كرم أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعظيم إحسانه، ومحبته للعفو، حيث عفا عن هذه المرأة وألحقها بأهلها، وإلا فالأصل ألا تُجاب إلى ذلك؛ لأن الحق ليس بيدها، فقد تم النكاح عليها، والطلاق بيد الزوج؛ لأن الأصل أن من تعوذ في شيء واجب عليه أو لازم له، فإنه لا يعفى عنه ولا يعاذ، فلو تعوذ بالله أن يقام عليه القصاص، أو حد من الحدود لم يجب إلى ذلك. أما إذا كان في حق لم يجب عليه ولا يلزمه فلا بأس أن يجاب إلى ذلك. والله تعالى أعلم.