للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مالك، وجماعة من السلف (١)، واستدلوا بقوله تعالى: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}، {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}، قالوا: ولو كانت المتعة واجبة لما خُصَّ بها المحسنون والمتقون، بل كانت حقًّا على كل أحد، ولو كانت واجبة لعين فيها القدر الواجب، وقوله: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}، {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}، تأكيد للوجوب، وقولهم: لو كانت واجبة لكانت محدودة، مردود بأن نفقة الأزواج والأقارب واجبة، مع أنها غير مقدرة (٢).

والقول الثالث: أن المتعة تجب من طلقت قبل الدخول ولم يفرض لها مهر، وأما إذا طلقت بعد الدخول فلا متعة لها، فإن كانت مُفَوِّضَةً -وهي التي لم يُسَمَّ لها صداقًا (٣) - فلها مهر مثلها، وإن كان قد فرض لها وجب لها نصفه، وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين، منهم ابن عباس وابن عمر -رضي الله عنهم-، والحسن وعطاء والشعبي، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد في رواية عنه (٤)، ودليل ذلك قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦)} [البقرة: ٢٣٦]، وقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: ٢٣٧] فخص الأولى بالمتعة، والثانية بنصف المهر، ولو كان ثمَّ واجب آخر من متعةٍ غير نصف المهر، لبينه الله تعالى، لا سيما وقد قرن هذه الآية بما قبلها الدالة على اختصاص المتعة بتلك الحالة، وأجابوا عن آية: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}، بأنها خصصت بآية: {لَا جُنَاحَ عَلَيكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ}. وأجيب عن ذلك بأنه لا تخصيص، بل ذكر المتعة في حق من طلقت قبل الدخول وقبل الفرض، من باب ذكر بعض أفراد العام بحكم العام، وهو لا يقتضي التخصيص (٥).


(١) "بداية المجتهد" (٣/ ١٨٣)، "المغني" (١٠/ ١٣٩).
(٢) "الأضواء" (١/ ٢٨٢).
(٣) انظر: "المُطْلِع" ص (٣٢٧).
(٤) "بداية المجتهد" (٣/ ١٨٣)، "المغني" (١٠/ ١٣٩)، "حاشية ابن عابدين" (٣/ ١١١).
(٥) "تفسير ابن كثير" (١/ ٤٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>