للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يشرب منه، وإنما السنة التنفس خارج الإناء، وذلك بأن يُبِينَ القدح ويبعده عن فيه ويتنفس خارجه، وذلك أن التنفس في الإناء فيه ثلاثة محاذير:

١ - أن التنفس في الإناء يقذر الشراب على من بعده؛ لأنه لا يأمن أن يسقط فيه شيء من الفم أو الأنف.

٢ - أن النفس ربما حمل أمراضًا يتلوث بها الإناء وما فيه.

٣ - أنه يخشى عليه من الشَّرَقِ؛ لأن الماء نازل، والنفس صاعد، فإذا التقيا فقد يَشْرَقُ الإنسان، ويتساقط اللعاب في الإناء، وكل هذا منافٍ للأدب.

والسنة أن الإنسان إذا شرب فلا يشرب في نَفَسٍ واحد، بل يشرب في نَفَسين أو ثلاثة، مع فصل القدح عن فيه؛ لأن هذا أخف على المعدة، وأنفع لريّه، وأحسن في الأدب، وأبعد عن فعل أرباب الشَّرَهِ، وقد ثبت عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتنفس في الشراب ثلاثًا، ويقول: "إنه أروى، وأبرأ، وأمرأ" قال أنس: فأنا أتنفس في الشراب ثلاثًا) (١).

ومعنى (يتنفس في الشراب) أي: يتنفس في شربه ثلاثًا، وفي رواية: (في الإناء) وليس معناها أنه يتنفس في الإناء -كما قيل- لبيان الجواز، أو لأنه - صلى الله عليه وسلم - يكن يُتقذر منه شيء، والصواب الأول، بدليل بقية الحديث (٢). وعلى هذا فلفظ: (الشراب) ليس المراد به الشيء المشروب، وإنما المراد به المصدر الذي هو الشرب؛ أي: يتنفس في شربه ثلاثًا، وهذا حسن معنى، فصيح لغة، فإنه يقال: شَرِبَ شُرْبًا وشَرَابًا بمعنى واحد، وذُكِرَ الإناء في الرواية الثانية؛ لأنه آلة الشرب.

وقوله: (أروى) من الريّ؛ أي: أكثر ريًّا.

و (أبرأ) أي: أبرأ من ألم العطش، وأسلم من مرض أو أذى يحصل بسبب الشرب بنفس واحد.


(١) رواه مسلم (٢٠٢٨).
(٢) "المفهم" (٥/ ٢٨٩)، "زاد المعاد" (٤/ ٢٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>