للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

و (أمرأ) أي: أجمل سياغًا، وأخف على المعدة، يقال: استمرأت الطعام أو الشراب: إذا استحسنته واستطبته.

° الوجه الثالث: في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - دليل على النهي عن النفخ في إناء الطعام أو الشراب، وذلك حماية للطعام أو الشراب من مخالطة أنفاس النافخ التي يحصل بسببها تغير، ولا سيما إذا كان النافخ متغير الفم برائحة مأكول -مثلًا- أو لبعد عهده بالسواك، أو لصعود نفسه ببخار المعدة، وبالجملة فالشراب لا يسلم من أنفاس النافخ.

وهذا النهي عن النفخ محمول- على رأي الجمهور- على ما إذا أكل أو شرب مع غيره، أما لو أكل وحده أو مع أهله أو من يعلم أنه لا يتقذر منه شيئًا فلا بأس، ورجح الحافظ التعميم؛ لأنه لا يؤمن أن يبقى من طعامه أو شرابه بقية أو يحصل التقذر من الإناء أو نحو ذلك، وتبعه على ذلك شارح "جامع الترمذي" محمد المباركفوري، وقال: (هذا هو المتعين عندي، والله تعالى أعلم) (١).

والنفخ إنما يكون لأحد معنيين، فإن كان من حرارة الشراب، فليصبر حتى يبرد، وإن كان من أجل قذى يبصره فليمطه بأصبعه إن كان ما وراءه أحد يشرب منه، وإلا أماطه بعود ونحوه، ولا حاجة به إلى النفخ، وفي حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النفخ في الشراب، فقال رجل: القذاةُ أراها في الإناء، فقال: "أهرقها"، قال: فإني لا أروى من نفس واحد، قال: "فَأَبِنِ القدح إذن عن فيك" (٢).

هذا وسيذكر الحافظ في باب (الأدب) من كتاب "الجامع" أحاديث أخرى تتعلق بآداب الأكل والشرب، ولو جمعها في موضع واحد لكان أولى. والله تعالى أعلم.


(١) "تحفة الأحوذي" (٦/ ١٢).
(٢) رواه الترمذي (١٨٨٧) وقال: (هذا حديث حسن صحيح).

<<  <  ج: ص:  >  >>