للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أحب نسائه إليه، فأرادت أن تهبه لمن يحب عليه الصلاة والسلام، وهذا من فقهها وشفقتها على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أما كونه من فقهها فلأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لو طلقها لم تبق من أمهات المؤمنين، ولم تكن زوجة له في الآخرة، كما تقدمت الإشارة إليه في رواية ابن سعد، وأما كونه شفقة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلأنها وهبته لأحب نسائه إليه (١).

وإذا كانت ليلة الواهبة تلي ليلة الموهوبة والى الزوج بينهما، وإن كانت لا تليها لم يجز الموالاة بينهما إلا برضى الباقيات، فتبقى ليلة الواهبة للموهوبة في موضعها؛ لأن في تقديمها تأخيرًا لحق غيرها، وتغييرًا لليلتها بغير رضاها، فلم يجز، وهذا هو الراجح (٢).

وإذا رجعت الواهبة في هبتها جاز، وقسم لها زوجها قسمًا مستقبلًا، ولا يقضي ما مضى؛ لأنها بمنزلة الهبة المقبوضة، وإنما جاز لها الرجوع في المستقبل مع أنها هبة؛ لأن الهبة هنا لم تقبض، فإن الأيام تتجدد يومًا بعد يوم، فلها أن ترجع فيما يستقبل.

ويرى ابن القيم أن المسألة إذا كانت صلحًا فإنه لا تملك الرجوع، وذلك بأن تقول له: أنا أتفق معك على هبة يومي لفلانة وتبقيني في حبالك، فوافق على هذا الصلح؛ لأن الله تعالى سماه صلحًا، فقال سبحانه: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَينَهُمَا صُلْحًا} [النساء: ١٢٨] فيلزم كما يلزم الصلح، وإلا لم يكن فيه فائدة، ثم إن عودتها بما وهبت قد يكون من أسباب المعاداة بين الزوجات، والشريعة منزهة عن ذلك.

وما قاله ابن القيم وجيه في نظري، فإن الهبة تلزم ولو لم تقبض على القول الراجح الذي سلف في باب (الهبة)؛ لأن الرجوع فيها من باب إخلاف الوعد، وهو محرم شرعًا؛ لأنه من علامات النفاق، ولو أخبر الزوج الواهبة


(١) انظر: "الشرح الممتع" (١٢/ ٤٣٥ - ٤٣٦).
(٢) "المغني" (١٠/ ٢٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>