للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قوله: (أتردين عليه حديقته) استفهام حقيقي يطلب به الجواب، والحديقة: البستان من النخيل كان عليه حائط أم لا، وقد جاء في رواية عند البزار من حديث عمر - رضي الله عنه -: (وكان تزوجها على حديقة نخل) (١) وعند أبي داود: (فإني أصدقتها حديقتين، وهما بيدها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خذهما وفارقها" ففعل) (٢).

قوله: (اقبل الحديقة وطلقها) هذا أمر إيجاب، قال تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] فالمراد أنه يجب على الزوج أحد الأمرين، فإذا تعذر الإمساك بمعروف لطلبها الفراق تعين عليه التسريح بإحسان. وقال الحافظ: هو أمر إرشاد وإصلاح لا إيجاب، والأول أظهر لما تقدم، واختاره الصنعاني (٣)، والشوكاني (٤)، والشيخ عبد العزيز بن باز. والحافظ لم يذكر ما يدل على صرف الأمر عن ظاهره، ولعله يرى أن الأصل بقاء الزوجية وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مرشد وناصح لا يُلزم أحدًا بما لا يلزمه. وسياق الحديث يؤيد الوجوب.

قوله: (تطليقة) أي: طلقة واحدة بائنة، وليس طلاقًا رجعيًّا؛ لأنه لو لم يكن بائنًا لم يحصل به المقصود، فإنه بإمكانه أن يأخذ المال، ثم يرجع.

° الوجه الثالث: في الحديث دليل على مشروعية الخلع إذا وجدت أسبابه ودواعيه، وقد أجمع العلماء على ذلك، إلا بكر بن عبد الله المزني التابعي، فإنه لم يجزه، ولذا قال: لا يحل للرجل أن يأخذ من امرأته في مقابل فراقها شيئًا، لقوله تعالى: {فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيئًا} [النساء: ٢٠] فأُورد عليه: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] فادعى نسخها بآية النساء (٥). ولعله لم يبلغه الحديث، هالا فهو قول شاذ خارج عن الإجماع، قال القرطبي: (هذا الحديث أصل في الخلع، وعليه جمهور الفقهاء) (٦).


(١) "مسند البزار" (١/ ٤٢٢).
(٢) "السنن" (٢٢٢٨).
(٣) "سبل السلام" (٣/ ٢٩٩).
(٤) "نيل الأوطار" (٦/ ٢٧٩).
(٥) "فتح الباري" (٩/ ٣٩٥).
(٦) "تفسير القرطبي" (٣/ ١٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>