للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

* الوجه الثالث: في الحديث دليل على أن المطلق زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وزمن أبي بكر - رضي الله عنه - وصدرًا من خلافة عمر - رضي الله عنه - كان إذا جمع الثلاث بأن قال: هي طالق، طالق، طالق، جعلت واحدة، واستمر الأمر على ذلك حتى مضى سنتان أو ثلاث من خلافة عمر - رضي الله عنه -، فجعل الطلاق الثلاث ثلاثًا، وقد كان الصحابة - رضي الله عنهم - على كثرة، ولم ينكروا ذلك مع كثرتهم وعلمهم وورعهم (١).

* الوجه الرابع: هذا الحديث من أدلة القائلين بأن مُوقع الثلاث بكلمة واحدة أو بكلمات لم يتخللها رجعة لا يقع عليه إلا طلقة واحدة، وسيأتي ذكرهم، وهو نص صريح لا يقبل التأويل في أن الطلاق الثلاث يقع واحدة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وسنتين أو ثلاث -على اختلاف الروايات- من خلافة عمر - رضي الله عنه -، ودليل على أنه حكم باقٍ لم ينسخ.

* الوجه الخامس: استدل الجمهور القائلون بوقوع الطلاق الثلاث ثلاثًا بأدلة ستأتي، ومنها فعل عمر - رضي الله عنه -، وهو أحد الخلفاء الراشدين الذين أُمرنا باتباعهم، وقد ورد عنه آثار، رجالها ثقات، وأسانيدها قوية، من طرق مختلفة تثبت هذا القول عنه (٢)، إذ ليس الاستدلال على ذلك من حديث ابن عباس؛ لأن الجمهور يضعفون حديث ابن عباس -كما سيأتي-، وهذا الإلزام من عمر - رضي الله عنه - ليس تغييرًا للحكم الظاهر من القرآن، والثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الطلاق لا يلحق الطلاق، وأن الطلقة الأولى ليس للمطلق بعدها إلا الرجعة أو الفراق، وكذا الثانية بعد رجعة أو زواج، وإنما جعل هذا تعزيرًا عارضًا، وعقوبة تفعل عند الحاجة؛ لأن عمر - رضي الله عنه - ومعه الصحابة - رضي الله عنهم - أرادوا بذلك منع الناس من الاسترسال في الطلاق، ومن التعجل إلى بن الفراق، وهذا اجتهاد من اجتهاد الأئمة، وهو يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، ولا يستقر تشريعًا


(١) انظر: "سير الحاث إلى علم الطلاق الثلاث" لابن عبد الهادي ص (٣٥).
(٢) "مصنف عبد الرزاق" (٦/ ٣٩٣ - ٣٩٦)، "مصنف ابن أبي شيبة" (٤/ ٦٢)، "السنن الكبرى" للبيهقي (٧/ ٣٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>