للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

على ابنة الجون وتزوجها، وحديث عائشة هذا كالصريح في أنه - صلى الله عليه وسلم - كان عقد عليها، فإنها قالت: (لما أُدخلت عليه) فهذا دخول الزوج بأهله، ويؤكده قولها: (ودنا منها).

وقالت الظاهرية: إن هذا اللفظ ليس من ألفاظ الطلاق، فلا يقع به طلاق، نواه أو لم ينوه، قالوا: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن قد عقد على ابنة الجون، بدليل ما تقدم في باب (الصداق) من حديث أبي أُسيد الساعدي، وفيه: (فدخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "هبي لي نفسك"، فقالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة … الحديث) فهذا يدل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن تزوجها بعد، وإنما جاء ليخطبها. وفي حديث سهل بن سعد أنه - صلى الله عليه وسلم - كلمها، فقالت: أعوذ بالله منك، فقال: "قد أعذتك مني"، فقالوا لها: أتدرين من هذا؟ فقالت: لا، فقالوا: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء ليخطبك … وهذا صريح في أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن قد عقد عليها.

والذي يظهر من قصة الجونية أنها قصة واحدة دارت على عائشة وأبي أُسيد وسهل بن سعد - رضي الله عنهم - وألفاظهم فيها متقاربة، ويبقى التعارض بين قول عائشة: (فلما دخل عليها ودنا منها) وبين ما في حديث سهل بن سعد: (جاء ليخطبك) فإما أن يكون أحد اللفظين وهمًا، أو أن الدخول لا يراد به دخول الرجل على امرأته بل الدخول العام، وهذا محتمل (١).

وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها (٢).

والمقصود أن لفظ: "الحقي بأهلك" ليس من صريح الطلاق، وإنما هو من كناياته التي لا بد فيها من النية؛ لأن الطلاق ليس له لفظ مخصوص، فإن الله تعالى ذكر الطلاق ولم يعين له لفظًا، فعلم أنه ردَّ الناس إلى ما يتعارفونه طلاقًا، فكل لفظ أفاد معنى الطلاق في عرف الناس وقع به الطلاق مع النية، كما هو في المعاملات وغيرها (٣).


(١) "زاد المعاد" (٥/ ٣٢٠).
(٢) "الاستيعاب" (١٢/ ١٠٤).
(٣) "زاد المعاد" (٥/ ٣٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>