للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

° الوجه الثالث: في الحديث دليل على حسن خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - وجوده وكرمه، فإن هذه المرأة لما استعاذت منه - صلى الله عليه وسلم - وقالت: أعوذ بالله منك، تفضل عليها وتركها دون أن يشتد في طلبها أو يسيء إليها، وفيه -أيضًا- شدة تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - رَبَّهُ حيث نفَّد رغبتها، وعلل ذلك بقوله: "لقد عذت بعظيم".

ومن الناس من إذا ساءت العشرة بينه وبين زوجته وأظهرت عدم رغبتها فيه اشتد عليه الأمر وابتغى لها كل شر، فآذاها وآذى أهلها، ولم يقبل صلحًا ولا فداء انتقامًا لبغضها وكراهتها له، وهذا مما لا يليق بالمسلم، فإن الواجب عليه أن يكون سمحًا كريمًا، وإذا لم يُقَدَّرْ بينه وبين زوجته محبة ووئام فالطلاق مشروع، والخلع مباح، وليس له أن يحبسها ويضيق عليها على وجه يتضرر هو به كما تتضرر هي، وعلى القاضي أن يكون له موقف جاد في مثل هذه الأمور، ومتى اتضح له إمكان إصلاح الحال بينهما أصلح بينهما، إما بأن يتكرم الزوج بالطلاق، أو يقبل الفداء، أما تعطيل المرأة فليس فيه مصلحة للزوج ولا لها، إلا إذا كان يرجى استقامة الحال بينهما؛ كأن يتضح للقاضي أن المرأة قد خُدعت وأنها ستفيق وترجع إلى صوابها، فلا بأس بالانتظار مدة يسيرة يُظن فيها استقامة الأمر وصلاح الحال، ولا حاجة إلى العجلة، لكن تركها المدة الطويلة من أجل إرضاء الزوج والنزول عند رغبته وإقراره على عناده وتشدده، فهذا ليس بلائق؛ لأن مثل هذه التصرفات مخالفة لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبها تتجلي حكمة القضاء وقوته. والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>