للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والظاهر رجوعه إلى الكتاب، وهو اللوح المحفوظ؛ لأنه الأقرب، والمطهرون: الملائكة) (١).

وقال أبو بكر الجصاص بعد ذكر المسألة: (إنْ حُمِلَ اللفظ على حقيقة الخبر فالأولى أن يكون المراد: القران الذي عند الله، والمطهرون: الملائكة، وإن حمل على النهي وإن كان في صورة الخبر كان عموماً فينا، وهذا أولى، لما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في أخبار متظاهرة أنه كتب في كتابه لعمرو بن حزم «ولا يمس القران إلا طاهر»، فوجب أن يكون نهيه ذلك بالآية إذ فيها احتمال له) (٢).

وقد رجح العلامة ابن القيم أنه الكتاب الذي بأيدي الملائكة، وذلك من عشرة أوجه، ومنها: أن الله قال: {إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} ولم يقل: إلا المتطهرون، ولو أراد به منع المحدث من مسه لقال: إلا المتطهرون، كما قال: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} وفي الحديث «اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين»، فالمتطهر: فاعل التطهير، والمُطَهّر: الذي طهره غيره، فالمتوضئ: متطهر، والملائكة: مطهرون (٣).

وقال الإمام مالك: (أحسن ما سمعت في هذه الآية: إنما هي بمنزلة هذه الآية التي في {عَبَسَ وَتَوَلَّى}، قول الله تبارك وتعالى: {كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ *فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ *فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ *مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ *بِأَيْدِي سَفَرَةٍ *كِرَامٍ بَرَرَةٍ} (٤) [عبس: ١١ - ١٦].

وقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية الاستدلال بالآية على أن المصحف لا يمسه المحدث من باب التنبيه والإشارة، وهو أنه إذا كانت الصحف التي في السماء لا يمسها إلا المطهرون، فكذلك الصحف التي بأيدينا من القران لا ينبغي أن يمسها إلا طاهر، ذكر ذلك ابن القيم (٥) ونقل هذا المعنى ابن سعدي، وضمنه تفسير الآية (٦).


(١) "نيل الأوطار" (١/ ٢٤٤).
(٢) "أحكام القرآن" (٥/ ٣٠٠).
(٣) "التبيان" ص (١٦٥).
(٤) "الموطأ" (١/ ١٩٩).
(٥) "التبيان " ص (١٦٨).
(٦) "تفسير ابن سعدي" ص (٨٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>