للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال ابن المديني: (إذا قال سعيد: "مضت السنة" فحسبك به) (١)، وعلى هذا فقول سعيد: (من السنة … ) مستثنى من التابعين، كما قيل في استثناء مراسيله، ويكون الشافعي قد ألحق سعيدًا بالصحابة - رضي الله عنهم - في مثل هذه الصيغة.

والصواب أن الشافعي لا يحتج بمرسل سعيد وإنما يرجح به، والترجيح بالمرسل جائز، ومن راجع كلامه في "الرسالة" رأى ذلك بينًا (٢).

وقد ذكر الحافظ السخاوي القولين في هذه الصيغة هل هي من الموقوف المتصل أو من المرفوع المرسل (٣).

* الوجه الثاني: استدل الفقهاء -ومنهم الحنابلة- بهذا المرسل على أن الزوج إذا أعسر بنفقة زوجته ولم يستطع الإنفاق أن يفرق بينهما بطلاق أو خلع أو فسخ، وهذا راجع إلى رغبتها وطلبها، فإن اختارت الفراق فلها ذلك؛ لما تقدم في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. والقول بجواز التفريق لعدم الإنفاق هو مذهب مالك، والشافعي في القول المعتمد، وأحمد (٤).

كما استدلوا بالعمومات كقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ١٩] وقوله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: ٢٣١] وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ضرر ولا ضرار" (٥)، ولا شك أن الإمساك مع عدم الإنفاق من أبلغ الضرر وأشد الأذى.

كما استدلوا بالقياس على العيب، وذلك أنه يجوز التفريق بالعيب، كما تقدم في "النكاح" وهو لا يفوت به إلا المتعة أو كمالها؛ فالتفريق بالنفقة التي بها قوام الحياة من باب أولى.

وظاهر هذا القول أن لها الفراق مطلقًا، سواء تزوجته وهو معسر عالمة بعسره، أو تزوجته وهو معسر جاهلة بإعساره، أو تزوجته وهو موسر ثم أعسر (٦).


(١) "تهذيب الكمال" (١/ ٥٠٥).
(٢) "الرسالة" رقم المسألة (١٢٦٤).
(٣) انظر: "فتح المغيث" (١/ ٢٢١).
(٤) "المدونة" (٢/ ١٩٢)، "المهذب" (٢/ ١٧٤)، "المغني" (١١/ ٣٦١).
(٥) تقدم تخريجه في باب "إحياء الموات" رقم (٩٢٠).
(٦) "الشرح الممتع" (١٣/ ٤٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>