للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإن رأس المال أو ثمن الملك قد يكون مالًا عظيمًا لا يتأثر بالإنفاق.

وهذا أحد الشروط الثلاثة التي يذكرها الفقهاء لوجوب نفقة الأقارب، وهي أن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق عليهم.

والشرط الثاني: أن يكون المُنْفَقُ عليهم عاجزين عن الكسب؛ لأن النفقة تجب على سبيل المواساة، فلا تُستحق مع الغنى، كالزكاة.

والشرط الثالث: أن يكون المُنْفِقُ وارثًا للمنفق عليه بفرض كالأخ لأم، أو تعصيب، كالعم وابن العم، لقوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٣] أي: على الرجل الذي يرث أن ينفق على مورثه حتى يستغني، فأناطت الآية النفقة بالميراث، وهي كذلك تجب على قدر الميراث؛ ولأن الوارث أحق بمال المورث من سائر الناس، فينبغي أن يختص بالإنفاق عليه وصلته، إلا عموديَّ النسب (١)، فتجب نفقته ولو لم يرثه المنفق، لقوة القرابة، وعموم الأدلة، فمن له أب وجدّ معسران وجبت عليه نفقتهما ولو كان المنفق محجوبًا من الجد بأبيه المعسر.

والراجح في ذلك ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وهو أن الإرث ليس بشرط مطلقًا، فتجب نفقة من يرث بالرحم، كالعمة والخالة، لموافقته لظاهر القرآن في قوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، وأن الشرط إنَّما هو غنى المنفق -كما سيأتي- وفقر المنفق عليه وكونه من الأقارب، لوجوب صلتهم وتحريم قطيعتهم، ومن المعلوم أن من قطع النفقة لم يَبَرَّ ولم يصل، وهذا قول أبي حنيفة، قال ابن القيم: (وهو الصحيح في الدليل، وهو الذي تقتضيه أصول أحمد ونصوصه، وقواعد الشرع، وصلة الرحم التي أمر الله بها أن توصل، وحرم الجنة على كل قاطع رحم، فالنفقة تُستحق بشيئين: بالميراث بكتاب الله، وبالرحم بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (٢). والله تعالى أعلم.


(١) عمودا النسب: الآباء والأمهات وإن علوا، والأولاد -الذكور والإناث- وإن سفلوا. "الكافي" (٥/ ٩٩)، "معجم لغة الفقهاء" ص (٣٢٢).
(٢) "زاد المعاد" (٥/ ٥٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>