للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والقول بأن المسلم يقتل بالمعاهد هو قول الحنفية، وقد استدلوا بهذا الحديث في كتبهم (١). كما يستدلون بعموم الأدلة الدّالة على مشروعية القصاص، قالوا: لأنَّ الحاجة تدعو إلى زاجر قوي يردع المسلم ويمنعه من الاعتداء على الذميين؛ لأنَّ العداوة الدينية قد تدفع المسلم على الإقدام على قتل الذمي لأتفه الأسباب، فكان في تشريع القصاص من المسلمين للكافر الذمي سَدٌّ لباب الفتنة وحفظ الحقوق الذميين التي كفلها لهم الإسلام، وحملوا حديث: "لا يقتل مسلم بكافر" على أن المراد الحربي لا المعاهد، لتتفق النصوص.

يقول عبد القادر عوده -رَحِمَهُ الله-: (ورأي أبي حنيفة يتفق مع القوانين الوضعية الحديثة، فهي لا تفرق في العقوبة لاختلاف الدين، والقانون المصري لا يفرق بين ذمي ومسلم فكلاهما يقتل بالآخر) (٢).

وذهب الجمهور إلى أن المسلم لا يقتل بالذمي، وتقدم بيان ذلك، وهو القول الراجح.

وقد أجمع الفقهاء على أن قتل المعاهد من كبائر الذنوب، لما ثبت فيه من الوعيد، فقد ثبت في الصَّحيح عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنَّة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا" (٣).

وقد نقل ابن بطال عن المهلب أنَّه استدل بهذا الحديث الصَّحيح على أن المسلم لا يقتل بالمعاهد؛ لأنَّه اقتصر في الحديث على الوعيد الأخروي دون الدنيوي (٤). والله تعالى أعلم.


(١) "الهداية" (٤/ ١٦٠).
(٢) "التّشريع الجنائي الإسلامي" (١/ ١٢٤).
(٣) رواه البُخاريّ (٣١٦٦)، وسيأتي شرحه -إن شاء الله- في أواخر "الجهاد".
(٤) "شرح ابن بطال" (٨/ ٥٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>