للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

القصاص والدية، وهذا من رحمة الله تعالى وإحسانه إلى هذه الأمة حيث لم يحتم عليهم القصاص كما كان في بني إسرائيل.

والقول الثَّاني: أن الواجب في قتل العمد القصاص عينًا، وليس للولي أن يأخذ الدية من القاتل إلَّا برضاه، وهذا قول أبي حنيفة، ومالك في المشهور عنه، ورواية عن أحمد (١).

واستدلوا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: ١٧٨] ووجه الدلالة: أن (على) تفيد الوجوب، وأن الله تعالى لم يذكر الدية. كما استدلوا بالأدلة الموجبة للمماثلة، كقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦] وقوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيكُمْ} [البقرة: ١٩٤] والمعاقبة بالمثل لا تتحقق إلَّا بالقصاص، إذ لا مماثلة بين القتل والدية.

كما استدلوا بحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - المتقدم: "ومن قتل عمدًا فهو قود" فالرسول - صلى الله عليه وسلم - أوجب القود في العمد واقتصر عليه، ولو كانت الدية واجبة لذكرها.

والقول الثالث: أن الواجب القصاص عينًا، وللولي أن يأخذ المال من غير رضا القاتل، وهذا قول للشافعي (٢)، ودليل ذلك ما تقدم في الذي قبله، إلَّا أنهم قالوا: إن لولي الدم أخذ الدية ولو لم يرض القاتل؛ لأنَّه لا يهدر دم في الإسلام.

والراجح هو القول الأوَّل؛ لأنَّ أدلتهم قوية وصريحة في تخيير الولي بين القصاص والدية.

أما أدلة الباقين فهي غير ناهضة على المدعى؛ لأنَّ قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} قد جاء في آخرها ما يدل على أن هذا محمول على


(١) انظر: "بدائع الصنائع" (٧/ ٢٤١)، "حاشية الدسوقي" (٤/ ٢٤٠).
(٢) انظر: "نهاية المحتاج" (٧/ ٣٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>