للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يتابع معمر على ذلك. فجعل الخطأ من معمر. فعليه فهي زيادة شاذة.

° الوجه الثاني: في الحديث دليل على أنه يجب على أهل الحوائط، وهي البساتين والمزارع حفظ بساتينهم في النهار؛ لأنهم منتشرون فيها، يحرثون ويزرعون ويجنون، وأما المواشي فهذا أوان رعيها التي جرت عادتها أن ترعى فيه.

وأما في الليل فأصحاب البساتين ينامون ويرتاحون من الكد والتعب في النهار، والغالب أن البساتين مشرعة ليس عليها حائط، والليل ليس وقت رعي، فيلزم أصحاب المواشي حفظها بالليل؛ لئلا تفسد على الناس مزارعهم وهم نائمون.

فإذا حصل إفساد في النهار فلا ضمان على أهلها؛ لأن التفريط من أهل البستان، إلا إذا رعى ماشيته في النهار قرب مزرعة، والمزرعة ليس عليها سور أو نحوه، فعليه الضمان؛ لأن البهيمة في مثل هذا تذهب وتأكل، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه" (١).

وإن حصل منها إفساد في الليل فعلى صاحبها ضمان ما أفسدته إذا كان مفرطًا في حفظها، وهذا قول مالك والشافعي وأحمد (٢)، لهذا الحديث، أما إذا لم يفرط بأن حفظها برباط أو شَبْكٍ أو سور، ثم انطلقت مع تمام الحفظ فلا ضمان على صاحبها؛ لأنه لم يفرط.

وقد استدل الفقهاء -أيضًا- على حكم الضمان بقوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء: ٧٨] والنفش: الرعي ليلًا، وقد روى المفسرون أن سليمان - عليه السلام - حكم في هذه القضية أن يُدفع الحرث لصاحب الغنم، فيقوم عليه حتى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الحرث فيصيب منها، والآية تشهد لهم -على القول بأن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخ-.


(١) رواه البخاري (٥٢)، ومسلم (١٥٩٩).
(٢) "بداية المجتهد" (٤/ ١٤٩ - ١٥١)، "المهذب" (٢/ ٢٩٠)، "المغني" (١٢/ ٥٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>