للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

• الوجه الخامس: استدل بحديث معاذ وابن عبَّاس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - من قال: إن استتابة المرتد غير واجبة، بل هي مستحبة، وهذا قول الحنفية، وقول عند الشَّافعية والحنابلة (١)؛ لأنه على أمر بقتل المرتد ولم يأمر باستتابته، ولو كانت واجبة لأمر بها، وكذا حديث معاذ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.

والقول الثاني: أنَّها تجب استتابة المرتد قبل قتله، وبه قال مالك، وهو المشهور في مذهب الشَّافعية والحنابلة، وهو قول إسحاق (٢). واستدلوا بقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨]، فقد أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يخبر جميع الذين كفروا أنهم إن ينتهوا غَفَرَ لهم ما سلف، وهذا معنى الاستتابة، والمرتد من الذين كفروا، والأمر للوجوب.

كما استدلوا بحديث جابر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أن امرأة يقال لها: أم مروان ارتدت عن الإسلام، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعرض عليها الإسلام، فإن رجعت وإلَّا قتلت (٣)؛ ولأن الردة إنما تكون عن شبهة، وهي لا تزول في الحال؛ ولأنه أمكن إصلاحه فلم يجز إتلافه قبل استصلاحه.

والأظهر أنَّه يجوز قتله في الحال، لظاهر الحديث، لكن إن رأى الإِمام المصلحة في تأجيله واستتابته فله ذلك، وعليه يحمل ما ورد من الآثار، وتتحقق توبته بإتيانه بالشهادتين وإقراره بما جحد، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (والذي عليه عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين أنَّه تقبل توبة المرتد في الجملة) (٤).

وأما الآية فهي في الكافر الأصلي، وأما حديث جاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فهو ضعيف، فيه معمر بن بكار السعدي، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحًا ولا


(١) "الإشراف" (٢/ ٢٣٨)، "شرح ابن بطَّال" (٨/ ٥٧١)، "المهذب" (٢/ ٢٨٤)، "المغني" (١٢/ ٢٦٦).
(٢) المصادر السابقة.
(٣) رواه الدَّارَقُطني (٣/ ١١٨ - ١١٨)، وعنه البيهقي (٨/ ٢٠٣).
(٤) "الصارم المسلول" ص (٣١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>