للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

استبقي طمع هو وغيره في السب الذي هو من أعظم الفساد في الأرض كقاطع الطَّرِيق سواء، بخلاف المرأة المقاتلة فإنها إذا أُسرت زالت مفسدة مقاتلتها (١).

ولأن سب الرسول - صلى الله عليه وسلم - تعلق به عدة حقوق، فهو سب لمن أرسله، وفيه منافاة لحق الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي هو أوجب الحقوق البشرية، فإن حقه التعظيم والإجلال والتوقير، قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: ٨، ٩]، كما أن سب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيه تنقص لشريعته، وقدح في الدين، فصار سب الرسول - صلى الله عليه وسلم - متضمنًا ثلاثة أمور كلها كفر: سَبَّ الله، وسَبَّ الرسول، وسَبَّ شريعته (٢). وقد تعلق بهذا الأمر ثلاثة حقوق:

١ - حق الله: حيث كفر برسوله، وعادى أفضل أوليائه، وطعن في كتابه ودينه وألوهيته، فَسَبُّ الرسول سَبٌّ لمن أرسله.

٢ - حق الرسول: لأن حقه التعظيم.

٣ - حق المؤمنين: الذين آمنوا به، وما قام أمر دينهم وآخرتهم إلَّا به.

• الوجه الرابع: الجمهور من أهل العلم على قبول توبة الساب إذا علمنا صدق توبته بتعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - ومدافعته عن شريعته، لعموم: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: ٥٣]، لكن وقع الخلاف في سقوط القتل عنه، فمنهم من قال: يسقط عنه القتل؛ لأن قتله لردته، فإذا تاب زال عنه سبب القتل، وهؤلاء لا يفرقون بين سب الله وسب رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ويرون الحدود تسقط بالتوبة قبل القدرة.

والقول الثاني: أنَّه يقتل، لحق النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو لا يسقط بالتوبة، كسائر حقوق الآدميين، فإذا قتل عومل معاملة المسلمين.

ولو قيل إن هذا يرجع إلى رأي الإِمام حسب المصلحة لكان له وجاهة (٣). والله تعالى أعلم.


(١) "الصارم المسلول" ص (٢٨٥).
(٢) "الشرح الممتع" (١٤/ ٤٢٣).
(٣) "الصارم المسلول" ص (٥١٠)، "الشرح الممتع" (١٤/ ٤٥٨ - ٤٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>