للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الفقهاء، ولعلهم قصدوا بذلك أن تتميز العقوبات المقدرة عن غيرها، ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية ومن بعده ابن القيم أن هذا اصطلاح حادث، وأن الحد في لسان الشرع أعم وأشمل، فهو يشمل العقوبة المقدرة وغير المقدرة، كما يشمل نفس الجناية، وهي المعصية، كقوله تعالى: " {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: ١٨٧] (١).

والحكمة من مشروعية الحدود: أنَّها جوابر وزواجر، فهي كفارة لمن أقيمت عليه، لقوله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذكر شيء من الجرائم الحدية: "ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له" (٢)، وهي زواجر للفاعل عن المعاودة، ولغيره من أن يفعل فعله، قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢) وقال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: ٣٨]، فالحدود تردع العصاة، وتمنع من انتشار الفساد وشيوع الجرائم، وتحقق الأمن في البلاد، وفيها حفظ الأنساب والأعراض والعقول والأموال.

وقوله: (باب حد الزاني) في بعض النسخ: (حد الزنا) وهو يوافق حد القذف وحد السرقة، والأول يوافق باب (حد الشارب … ).

والزنا: اسم مقصور على لغة الحجاز، وهي لغة القرآن، قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: ٣٢]، وهو مصدر زنى يَزْنِي زنًا فهو زانٍ، والجمع زناة، مثل: قضى يقضي قضاءً فهو قاضٍ وهم قضاة، ويجوز فيه المد على لغة نجد، وقيل: لبني تميم منهم خاصة.

والأصل أن تكتب الكلمة بالألف المقصورة؛ لأنه يائي اللام، وعليه الرسم في القرآن، ويجوز كتابتها بالألف الممدودة (الزنا).

وعند الفقهاء: أن يجامع الرجل من لا يحل له جماعها في فرجها.


(١) "الفتاوى" (٢٨/ ٣٤٧ - ٣٤٨)، "إعلام الموقعين" (٣/ ٢٤٢).
(٢) رواه البخاري (١٨)، ومسلم (١٧٠٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>