للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كل واحد عن صاحبه. و (يتوار) مضارع مجزوم بـ «لام» الأمر، وعلامة جزمه حذف حرف العلة.

قوله: (ولا يتحدثا) لا: ناهية، وجُزِمَ المضارع بعدها بحذف النون.

قوله: (يمقت) مضارع مَقَتَ يَمْقُتُ مقتاً من باب (قتل) يقال: مَقَتَهُ؛ أي: أَبْغَضَهُ أشد البغض عن أمر قبيح.

الوجه الثالث: استدل بهذا الحديث من قال بوجوب تستر الإنسان وعدم تحدثه مع شخص اخر حال قضاء الحاجة؛ لأن التحدث حال قضاء الحاجة فيه دناءة وقلة حياء، والله تعالى يمقت على ذلك، وهو سبحانه لا يمقت إلا على الأفعال السيئة، وظاهر ذلك التحريم، ولكن حمله الجمهور على الكراهة، ولعل الصارف له عن التحريم ما تقدم عن ابن مفلح رحمه الله عند الحديث (٧٦) من أن النهي إذا ورد في حديث متكلم فيه فإنه يحمل على الكراهة، والقول بالتحريم هو اختيار الشوكاني (١)، لأن ظاهر الحديث أن ذلك من الكبائر.

وقد ذكر ابن مفلح (٢) أنهم صرحوا بالكراهة، وأنه لم يجد أحداً منهم ذكر التحريم مع أن دليلهم يقتضيه، وعن الإمام أحمد ما يدل عليه، قال صالح: سألت أبي عن الكلام في الخلاء، قال: يكره، وقال إسحاق بن إبراهيم: سألت أحمد عن الكلام في الخلاء قال: لا ينبغي له أن يتكلم. وهذه الصيغة للتحريم (٣).

إن حالة قضاء الحاجة حالة سكون وانكسار بين يدي الله تعالى، واعتراف بضعف ابن ادم، وحالة تفكير بنعم الله تعالى على العبد، حيث يسر له قضاء حاجته بعدما يسر له الأكل والشرب والانتفاع بما أعطاه الله من النعم، لا حالة مؤانسة ومحادثة.

لكن إن وجد حاجة للكلام فلا بأس، بل قد يكون واجباً، كإرشاد أعمى يخشى ترديه في حفرة، أو رؤية نحو عقرب أو حية تقصد إنساناً، أو كان له حاجة في شخص وخاف أن ينصرف … أو نحو ذلك. والله تعالى أعلم.


(١) "نيل الأوطار" (١/ ٩٢).
(٢) "النكت على المحرر" (١/ ٨).
(٣) انظر: "صفة الفتوى" لابن حمدان ص (٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>