للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه" (١)، وفي رواية: "فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخُطا، والقلب يهوى ويتمنى، وبصدق ذلك الفرج ويكذبه".

وقد بوب البخاري على حديث أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -باب "زنا الجوارح دون الفرج"، قال الحافظ: (أي: إن الزنا لا يختص إطلاقه بالفرج، بل يطلق على ما دون الفرج من نظر وغيره.) (٢)، وقال ابن بطَّال: (سمي النظر والنطق زنا؛ لأنه يدعو إلى الزنا الحقيقي) (٣).

قوله: (لا يكني) بفتح الياء التحتانية وسكون الكاف من الكناية، والمعنى: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - تلفظ بالكلمة المذكورة ولم يَكْنِ عنها بلفظ آخر.

• الوجه الثالث: في الحديث دليل على أن النظر إلى المرأة التي لا تحل قد يسمى زنا، ولكنه لا حد فيه.

• الوجه الرابع: في الحديث دليل على أنَّه ينبغي التثبت والتبين في أمر من جاء معترفًا بالزنا تائبًا؛ لأن العادة أن صاحب الفاحشة يستتر ولا يظهر أمره، فإذا جاء تائبًا وجب التثبت؛ خشية أن يكون في عقله شيء؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكتف بمجرد إقراره بالزنا، وإنما سأله عن عقله، ثم قال: أشرب خمرًا؟ فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر، كما في حديث بريدة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، ثم سأله لعله أطلق لفظ الزنا على التقبيل أو الغمز أو النظر، بل استفهمه - صلى الله عليه وسلم - بلفظ لا أصرح منه في المطلوب وهو لفظ النيك الذي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحاشى عن التكلم به في جميع حالاته، ولم يُسمع منه إلَّا في هذا الموطن (٤)، كل هذا مبالغة في التثبت، ودليل على حرص الشريعة على صيانة الدماء.


(١) رواه البخاري (٤٣٦٣)، ومسلم (٢٦٥٧).
(٢) "فتح الباري" (١١/ ٢٥ - ٢٦).
(٣) انظر: "شرح ابن بطال" (٩/ ٢٣).
(٤) انظر: "نيل الأوطار" (٧/ ١١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>