للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وسمى النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلها توبة، ويؤيد هذا قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢]، وهذا عام في التائب وغيره، ولا مخصص له فيما أعلم؛ ولأن الحدود كفارة، فلم تسقط بالتوبة، ككفارة اليمين والقتل.

وهذا قول الجمهور، ومنهم الحنفية، والمالكية، وأرجح الروايتين عن أحمد، وقول للشافعي (١).

والقول الثاني: أن التوبة تقبل، وتُسقط عنه الحد، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد، وهو المعتمد في مذهب الشَّافعية (٢)، واستدلوا بقوله تعالى: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النساء: ١٦]، وقوله تعالى في حق السارق: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيهِ} [المائدة: ٣٩]؛ ولأن الحد خالص حق الله تعالى، فيسقط بالتوبة (٣).

ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن قصة الغامدية وماعز محمولة على من اختار إقامة الحد عليه، وكأنه يرى تطهيره بالحد أبلغ من تطهيره بالتوبة، أو ليجتمع له تطهيران، وأما من تاب بعد اعترافه ولم يطلب إقامة الحد عليه فلا يقام، وهذا قول وسط، كما يقول عنه ابن القيم (٤).

وأصح قولي أهل العلم أن الأفضل فيمن ارتكب جريمة الزنا أن يتوب سرًّا، ولا يظهر جريمته حتَّى يقام حده عليه، ومن تاب صادقًا فإن الله تعالى يقبل توبته؛ لعموم الأدلة في قبول توبة التائبين.

وهذا الكلام في غير المحارب، أما المحارب إذا تاب قبل القدرة عليه فإنه يسقط عنه الحد بالاتفاق، وهذا بالنسبة لحق الله تعالى، أما حقوق الآدميين كأخذ مال أو قتل أو جرح فلا تسقط على رأي الجمهور إلَّا أن يُعفى عنها (٥). والله تعالى أعلم.


(١) "المغني" (١٢/ ٤٨٤).
(٢) "المهذب" (٢/ ٢٦٦)، "المغني" (١٢/ ٤٨٤).
(٣) "الصارم المسلول" ص (٤٣١ - ٤٣٢).
(٤) "الاختيارات" ص (٢٩٦)، "إعلام الموقعين" (٢/ ٧٩) (٣/ ١٥٦).
(٥) انظر: "المغني" (١٢/ ٤٨٣)، "تفسير ابن كثير" (٣/ ٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>