للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إذن، وقد روى ابن أبي شيبة عن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: (ليس على من أتى بهيمة حد) (١).

وهذا أرجح الأقوال؛ لأن من أتى بهيمة فعل فعلًا محرمًا مجمعًا عليه، فاستحق العقوبة بالتعزير، وهذا أقل ما يفعل به، والبهيمة لا حرمة لها، وليس بمرغوب فيها فلا حاجة للزجر عنها بالحد؛ لأن النفوس تعاف ذلك الفعل المستهجن، فيبقى على الأصل في انتفاء الحد ووجوب التعزير.

وأما حديث الباب فلم يثبت ثبوتًا تقوم به الحجة، ولا نُقِلَ عن الصحابة إجماع على القتل، كما نقل فيمن عمِل عَمل قوم لوط - إن ثبت هذا الإجماع - بل ورد عن ابن عبَّاس وعمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أنَّه لا حد عليه كما تقدم.

• الوجه الرابع: استدل بهذا الحديث من قال: إن البهيمة التي وقع عليها إنسان تقتل، وهذا هو القول الراجح في مذهب الحنابلة، وكذا الشَّافعية في الراجح عندهم إذا كانت البهيمة مما يؤكل، وحديث الباب عام في كل بهيمة مأكولة أو غير مأكولة.

والحكمة من قتلها ما رواه أبو داود والنَّسائي أنَّه قيل لابن عبَّاس: ما شأن البهيمة؟ -أي: لأنها لا عقل لها ولا تكليف عليها فما بالها تقتل- قال: ما أُراه قال ذلك، إلَّا أنَّه يكره أن يؤكل لحمها أو يُنْتَفَعُ بها وقد عمل بها ذلك العمل.

وروي أنَّه قال: إنها تُرى فيقال: هذه التي فعل بها ما فعل.

والقول الثافي: أنَّها إن كانت مأكولة ذبحت وإلَّا لم تقتل، وهذا قول في مذهب الشَّافعية (٢)، لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذبح الحيوان إلَّا لمأكله (٣).

والأول هو الراجح، وهو أنَّها تقتل لا سيما إذا كانت مأكولة يمكن الاستفادة منها، أما إن كانت غير مأكولة كالحمار والبغل ونحوهما، فإن قتلت فهو أخذ بعموم الحديث، وإن أبعدت إلى مكان آخر يمكن أن تعيش فيه، لكان فيه وجاهة في نظري، والله أعلم.


(١) "المصنف" (١٠/ ٦).
(٢) "المهذب" (٢/ ٣٤٥).
(٣) رواه مالك (٢/ ٤٤٧) ومن طريقه البيهقي (٩/ ٨٩) على أنَّه من كلام أبي بكر - رضي الله عنه -. وانظر: "المراسيل" لأبي داود ص (٣٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>