الإنسان وجعل لكل من الرجل والمرأة خصائص ينفرد بها عن الآخر في تكوين بدنه، وفي طباعه وصفاته النفسية والعقلية، وجعل لكل منهما وظيفة ورسالة في هذه الحياة تناسب تكوينه وما فطر عليه، ولن تستقيم أمور الناس وتنتظم أحوالهم حتَّى يقوم كل من الرجل والمرأة بوظيفته التي تلائمه.
ومن هنا جاء الإسلام بنهي المرأة عن التشبه بالرجل، ونهى الرجل عن التشبه بالمرأة؛ لأن انتزاع الرجل بعض خصائص المرأة أو وظائفها هو فقد للرجولة الحقة والحياة السوية، وكذا المرأة متى حاولت انتزاع بعض خصائص الرجل أو وظائفه فهي ممسوخة وخارجة عن طبيعتها وأنوثتها.
ومن مقاصد الشريعة في تحريم التشبه ولعن فاعله إظهارُ الفرق بين الرجل والمرأة، وسَدُّ الذرائع، لما قد يفضي إليه هذا التشبه من مفاسد عظيمة، فإن الرجل إذا تشبه بالمرأة في لباسها وحركاتها وصوتها قد يفضي به ذلك إلى أن يمكن من نفسه كأنه امرأة، ولعل هذا غرض الحافظ من ذكر هذا الحديث في آخر باب الزنى، وقد تبع في هذا البخاري، فإنه ذكره في "الحدود".
وكذا المرأة متى تشبهت بالرجل اكتسبت من أخلاقه ما يهون عليها أمر البروز والخروج من منزلها ومشاركة الرجال، وصارت تُظهر من بدنها مثل ما يظهره الرجل (١).
هذا فيما يتعلق بتشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال، وأما التشبه بالكفار فسيأتي - إن شاء الله - في كتاب "الجامع".
• الوجه السادس: في الحديث دليل على مشروعية نفي من أتى معصية لا حد فيها، وهو يدل على نفي من أتى ما فيه حد من باب أولى، والنهي عن دخول المخنثين في البيوت من الطرق والتدابير الواقية من الزنا، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن دخول المخنث على النساء لما سمعه يصف المرأة بأوصاف تهيج قلوب الرجال. والله تعالى أعلم.