الالتباس وعدم اتضاح الشيء؛ أي: فلا تحدوا إلَّا بأمر متيقن لا يتطرق إليه تأويل.
• الوجه الثالث: يستدل الفقهاء بهذه الأحاديث على أن الحد يدفع بالشبهة التي يجوز وقوعها؛ كدعوى الإكراه، أو أنَّها أُتيت وهي نائمة، أو رجوع المقر عن إقراره، أو كون الشهود على الزنا نساء، وغير ذلك من الشبهات التي لا يمكن حصرها؛ لأن أساسها في الغالب الوقائع وهي لا تحصر، والمرجع في ذلك إلى اجتهاد القاضي واقتناعه بما يدعى أنَّه شبهة.
والقول بأن الحدود تدرأ بالشبهات موضع اتفاق بين الفقهاء ما عدا الظاهرية فهم لا يقولون به، ويرون أن الحدود لا يحل أن تدرأ بشبهة، ولا أن تقام بشبهة، قال ابن حزم:(لا يحل درء حد بشبهة ولا إقامته بشبهة، وإنَّما هو الحق واليقين فقط)(١).
والفقهاء يختلفون فيما يصح أن يكون شبهة وما لا يصح، مثل إكراه الرجل على الوطء، بعضهم يعتبره شبهة، وبعضهم لا يعتبره.
وأحاديث الباب لم يثبت منها شيء مرفوعًا، وبعض الموقوف لا بأس به، كما تقدم، فيكون المعول عليه، ويؤيده ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من العمومات، كما في قصة ماعز - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أنَّه قال له:"لعلك قبلت، لعلك لمست، لعلك غمزت" كل ذلك يلقنه أن يقول نعم، بعد إقراره بالزنا، ولا فائدة من ذلك إلَّا كونه لو قالها تُرك، وكذا ما جاء في قصة الغامدية، وسيأتي في باب "السرقة" ما يؤيد ذلك أيضًا.
ثم إن أحاديث الباب وإن لم تصح من جهة الإسناد، فهي صحيحة من جهة المتن، ومعناها مقطوع به من جهة الشرع، وموافق لمقتضى العقل، وذلك أن الحد عقوبة مقدرة على معصية، وهذه المعصية لا بد أن تتحقق لتنطبق عليها العقوبة، ولا تتحقق مع قيام الشبهة؛ لأننا إذا أقمنا الحد مع قيام