للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (ولا كثر) بفتح الكاف والثاء المثلثة هو جُمَّارُ النخل بوزن رُمَّان، وهو شحمه الذي وسط النخلة، وقد جاء هذا التفسير عند النسائي من رواية الليث المتقدمة: (لا قطع في ثمر ولا كثر، والكثر الجمار).

° الوجه الثالث: في الحديث دليل على أنه لا قطع في سرقة الثمر ولا في سرقة الكثر، وظاهر الحديث العموم فيما كان على رؤوس الشجر أوكان قد جُدَّ ووضع على الأرض، وبهذا قال أبو حنيفة، وعلل ذلك بأنه يسرع الفساد إليه لرطوبته، ولهذا يرى أنه لا قطع فيما يتسارع إليه الفساد كاللبن واللحم ولو قديدًا، والثمار والفواكه الرطبة، سواء سرقت من شجرها أو بعد قطعها، أما إذا كانت الثمار يابسة وآواها الجرين -وهو موضع تجفيفها كما سيأتي- ففيها القطع، وقد قاس ما يتسارع إليه الفساد على ما لم يحرز بجامع أن كلًّا منهما معرض للهلاك، وقد أدار أبو حنيفة الحكم على اليبس والرطوبة (١).

وذهب الجمهور من أهل العلم -ومنهم أبو يوسف صاحب أبي حنيفة (٢) - إلى وجوب القطع في كل محرز، لا فرق في ذلك بين الطعام والثمار، واليابس منها والرطب، فمدار الحكم عندهم على الحرز المكاني، لا على اليبس والرطوبة، لعموم آية السرقة والأحاديث الواردة في اشتراط النصاب، ويؤيد هذا حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - الآتي الدال على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسقط القطع عن سارق الثمار من الشجرة وأوجبه على سارقه من الجرين.

وأما حديث الباب فهو محمول -كما نقل عن الشافعي- على ما كانت عليه عادة أهل المدينة من عدم إحراز حوائطها، فترك القطع لعدم الحرز، فإذا أُحرزت الحوائط كانت كغيرها (٣). والله تعالى أعلم.


(١) "المبسوط" (٩/ ١٥٣)، "بدائع الصنائع" (٧/ ٦٩)، "شرح فتح القدير" (٥/ ١٣٠).
(٢) "شرح معاني الآثار" (٣/ ١٧٣).
(٣) "الأم" (٧/ ٣٣٣)، "شرح معاني الآثار" (٣/ ١٧٣)، "معالم السنن" (٦/ ٢٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>