للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

شيئًا مرفوعًا) (١). وهو اختيار الشوكاني (٢)، وعلى هذا القول فمرجع العقوبة إلى الإمام، يقدرها بناءً على المصلحة وما يتحقق به الزجر، وهو قول قوي، يؤيده ما يلي:

١ - فهم الصحابة - رضي الله عنهم - فإن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يَقِتْ في الخمر حدًّا) (٣)، وعن علي - رضي الله عنه - قال: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسُنَّ فيه -أي: الخمر- شيئًا) (٤).

٢ - أن الصحابة - رضي الله عنهم - أعملوا رأيهم في تحديد العقوبة لما استشارهم عمر - رضي الله عنه - وقد فهموا أن الأربعين ليست حدًّا، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرد عنه نص بتحديد الأربعين، وإلا لما قالوا فيه بالرأي، كما لم يقولوا بغيره، قال الشوكاني: (ومما يؤيد عدم ثبوت مقدار معين عنه - صلى الله عليه وسلم - طلب عمر - رضي الله عنه - المشورة من الصحابة، فأشاروا عليه بآرائهم، ولو كان قد ثبت تقديره عنه - صلى الله عليه وسلم - لما جهله جميع أكابر الصحابة) (٥).

٣ - أنه ورد الضرب بالأيدي والنعال والثياب، كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، والظاهر أن الضرب بهذه الصفة لا يمكن تحديده بالأربعين.

٤ - أن هذا القول تجتمع به الأدلة، ولا يشكل عليه شيء منها.

° الوجه الخامس: في الحديث دليل على أن عقوبة الخمر لا تتجزأ، بل تُستوفى جملة واحدة؛ لأن قوله: (فجلده) ظاهر في هذا، ويؤيده حديث علي - رضي الله عنه - الآتي في قصة الوليد.

° الوجه السادس: في الحديث دليل على أن البلاد والأماكن قد تختلف في عقوبة الخمر، فإذا كثر الشرب وتساهل الناس زيد في العقوبة لردعهم، وإن قل الشرب فلا مانع من الاقتصار على الأربعين.


(١) "فتح الباري" (١٢/ ٧٢ - ٧٥).
(٢) "نيل الأوطار" (٧/ ١٦١).
(٣) رواه أبو داود (٤٤٧٦)، قال الحافظ: إسناده قوي.
(٤) متفق عليه، وسيأتي الكلام عليه في باب "التعزير" إن شاء الله تعالى.
(٥) "نيل الأوطار" (٧/ ١٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>